الجراد الأصفر…/ المرتضى محمد أشفاق
عرَّت حقبة الوقاحات، ضعفنا العقدي، وهشاشة تشبثنا بالمبادئ..كشفت ضمور ضمائرنا، وهواننا في رحلة الموت بالتقسيط…تدفقت أسراب من الجراد الأصفر تأكل ما بقي مورقا من قيمنا وأخلاقنا وذواتنا الخاصة..تقاطر مال الغرب في حقائب فاتناته يدفعنه لمن راقت له الخلوة بهن، وصادته حبائل إغرائهن…
حططن رحالهن في حمى الحريم، فكثرت تعاونيات النساء، واستمرأ بعض الرجال طمعا في التمويل..ومع اللعاب المتدفق من أفواه الساقطين توغلن أكثر، وزحفن إلى الأماكن الداخلية والحياة الخاصة للمرأة، و ضربن خيامهن بمكر بين الرُّكَبِ والسُّرَر، وتعالت أهازيج: لا للزواج المبكر، ولا لختان البنات على معازف هواننا، ونحول كبريائنا، واستجابتنا السريعة لفحص موت الكرامة البشرية.
.مُهينٌ أن ترى نفسك بين الفقهاء والأئمة والمفكرين والأساتذة، مع تلميذات تمارسون رذيلة الانحناء، والإصغاء القسري لشابات بني الأصفر يتحدثن بوقاحة عن عورات النساء، يجردنها بقسوة، وينثرنها على مأدبة التشريح، نبايعهن على التمكين في مساحة الشرف، فيعبرن عاريات متحديات قواعد الوقف الإجباري إلى بعض زوايا المقدس، فنبتسم لخدش حيائنا استدرارا لمال نقبضه ثمنا لطعن كبريائنا، ونغرق في بحر السفول، ونتراكم على بعضنا في ثقبه الأسود، ونحن نبتلع بكأس الصمت المهين وصايا دعاة الاستلاب..
الجراد الأصفر دلل مريديه بدل ترويضهم، فصفت نفوسهم لكدر الارتزاق، واختزلوا مراحل التربية وخلوات الباحثين عن التدني في مهاوي الاستلاب، وأظهروا براعتهم في حفظ الورد والتطبيق الصارم لطقوسه، فتسلموا مفاتيح المعبد بعد أن حصلوا بتفوق على إجازة طامع منحط …
حقبة الوقاحات هذه أقنعتنا أن الضائع اليوم من يفكر في رحلة البحث عن الذات، أمس رحلنا تجارا ومتعلمين إلى ما وراء البحار لنحميها، واليوم عدنا تجارا وعلماء لنبيعها بثمن بخس، دراهم مغموسة في دماء شرفنا..عدنا ووجوهنا حديد أكله الصدأ، وحياؤنا آوى إلى وكر لبد..افتحنا أسواق الرق السياسي، ومرغنا كرامة الإنسان في أوساخ أطماعه، ليعيش حقيرا من فيء تجارة ثقب الآذان .. المحظوظ اليوم من صار بعد امتحان عسير رغم انحطاط مادته، عضوا وضيعا في جوقة اللهاث، مطبلا ومزمرا لتأليه وثن، أو متسولا سياسيا، أو لاعق ملاعق، أو عجلا سمينا في القطيع المدجن المعد للذبح، أو مختل خلقة يمتهن تجميل الساسة وتلميع الصور المعتمة …