هل يستخدم سلاح اليورانيوم المنضّب في الحرب الروسية الأوكرانية؟/ د. تمارا برّو
5 يونيو 2022، 12:14 مساءً
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات حول تطوير الأسلحة البيولوجية، حيث اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأميركية بأنها تدير برنامجاً لتطوير الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا ، بينما نفت واشنطن ذلك، وأعربت عن احتمال لجوء روسيا إلى استخدام الأسلحة الكيميائية . وما آثار الجدل أكثر هو وضع روسيا قواتها النووية في حالة تأهب، وتهديدها باستخدام السلاح النووي إذا واجهت تهديداً وجودياً.
وإذا كان العالم يتخوف من استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية في الحرب الروسية الأوكرانية ، فإن ما يثير القلق أيضاً هو احتمال استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب الذي يعتبر جيلاً جديداً من الأسلحة الإشعاعية والسمية. واليورانيوم المنضّب عبارة عن بقايا الوقود النووي مصمم لاختراق الدبابات والعربات المدرعة ، ويسبب استخدامه ضرراً بالصحة كونه سلاحاً ساماً ومشعاً ، فضلاً عن أنه يحوّل المناطق الملوثة به إلى مناطق غير صالحة للعيش، كما يطال الأماكن البعيدة عن المنطقة المستهدفة . فعند استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب ينتج عنه غبار أكسيد اليورانيوم المشع الذي يبقى عالقاً في الجو وينتقل مع الرياح إلى مسافات بعيدة، وفي هذا الخصوص، أشارت خبيرة الأشعة Leuren Moret إلى أن استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى وصول الغبار الذري إلى إيران ، باكستان، تركيا، تركمنستان، أوزبكستان، جورجيا، أذربيجان، كازاخستان، الصين والهند. أما الدول التي يمكن أن تصل إليها إشعاعات اليورانيوم المنضّب المستخدم في العراق فهي: السعودية، سوريا، لبنان، فلسطين، تركيا ، إيران و ” إسرائيل”. كما أنه نتج عن قصف البلقان بذخائر اليورانيوم المنضّب وصول الغبار الذري إلى اليونان والمجر. واليورانيوم المنضّب يبقى نشطاً حوالي 4.5 مليارات سنة لذلك اعتبرت خبيرة الأشعة Helen Caldicott أن الرياح المثقلة بغبار اليورانيوم المنضّب ستبقى حتى آخر الزمان. وبحسب الإحصاءات يوجد حالياً حوالي 20 دولة تحوي في ترسانتها العسكرية سلاح اليورانيوم المنضّب من بين هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية ، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، باكستان. وقد استخدم هذا السلاح في العديد من الحروب حيث أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمته في العراق 1991 و 2003 وفي أفغانستان واعترفت باستخدامه في سوريا 2015 ، كما استخدمه حلف الناتو في يوغسلافيا السابقة، ووردت تقارير عن أن الناتو استخدم ذخائر اليورانيوم المنضّب في ليبيا عام 2011. وتسبب استخدام هذا السلاح في إصابة الجنود والسكان بالسرطان وارتفعت نسبة الولادات الناقصة والتشوهات الخلقية ومازالت آثاره مستمرة حتى اليوم بسبب الاشعاعات التي سوف تبقى آلاف السنين.
وفيما يتعلق بإحتمال استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في الحرب الروسية الأوكرانية ، فلا شيء مستبعد بما أن الولايات المتحدة الأميركية التي تزود أوكرانيا بالأسلحة العسكرية قد استخدمته في حروبها ، كما أن حلف الناتو الذي يدعم أيضاً أوكرانيا بالأسلحة استخدم هو الآخر ذخائر اليورانيوم المنضّب. وتركز الولايات المتحدة الأميركية على دعم أوكرانيا بالأسلحة المضادة للدبابات كصواريخ “جافلين” التي يمكن أن تحوي يورانيوم منضّب.
وما يثير الاهتمام أكثر هو أن كوريا الجنوبية أعلنت مؤخراً أنها أعادت ما يقرب من 1.3 مليون ذخيرة يورانيوم منضّب كان قد تم تخزينها لفترة طويلة في أحد مطاراتها العسكرية ، وشكل هذا الخبر فرحاً للسكان المحليين الذين بذلوا لسنوات طويلة محاولات فاشلة لاقناع السلطات المحلية بالتخلي عن التخزين نظراً لخطورته. والسؤال الذي يطرح لماذا احتاج البنتاغون إلى مخزون ذخائر اليورانيوم المنضّب فجأة وفي هذا التوقيت بالذات؟ طبعاً لن تقوم بالولايات المتحدة الأميركية بالتخلص من هذه الذخائر نظراً لكلفتها العالية ، كما أن واشنطن لن تتحمل دون أي مقابل عملية نقل هذه الذخائر في وقت تشهد فيه أسعار الوقود ارتفاعاً كبيراً والاقتصاد الأميركي يعاني من أزمات خلفها فيروس كورونا المستجدّ، فمن المحتمل أن ترسلها إلى أوكرانيا.
ومن جهة أخرى، تُطرح تساؤلات حول احتمال استخدام موسكو لسلاح اليورانيوم المنضّب .حتى الآن لم ترد تقارير حول استخدم روسيا لهذا السلاح مع الإشارة إلى ان استخدامها ذخائر اليورانيوم المنضّب سوف يلحق ضرراً ليس فقط بالجنود الأوكرانيين، بل أيضاً بجنودها إضافة الى السكان المدنيين الأوكرانيين والروس كون أن الغبار الذري الذي ينتج عند استخدام ذخائر اليورانيوم ينتقل عبر الهواء. لذلك فأن استخدام روسيا لهذا السلاح سيلحق ضرراً بها أيضاً.
إن استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب من أي طرف في الحرب الروسية الأوكرانية سيحول أوكرانيا إلى عراق آخر، ويلوث المناطق المجاورة لأوكرانيا بحسب اتجاه الرياح التي تكون مشبعة بالغبار الذري وستزداد نسبة الاصابة بالسرطان بين الجنود والسكان المدنيين وترتفع نسبة الولادات المشوهة وستترك أراضي أوكرانيا ملوثة باليورانيوم المنضّب دون اهتمام دولي كما حصل مع الدول التي استعمل فيها هذا السلاح.