تداعيات…/ المرتضى محمد أشفاق
أيقظني بعض الأساتذة في وقت متأخر من تلك الليلة، لم يريدوا أن يؤخروا البشارة إلى غد…انواكشوط يعيش هذه اللحظات انقلابا عسكريا والقصف هو صاحب الوقت، عشنا شبه عرس سياسي في ذلك السحر الجاف من ليالي حزيران، لا نعرف من ينقلب، وما يترتب على لعلعة الرصاص في المدينة المذعورة…
الموريتانيون أطفال حضارة وصبية في وعيهم المدني…لن أقول إنهم يحبون التغيير لأن التغيير قد ينفع…بل أقول إنهم بداة يحبون الأحداث ويطربون لها غير واعين نتائجها…تماما كما يتسلى الأطفال بالزلازل والكوارث الطبيعية وإن فقدوا فيها الآباء…ما دمنا لا نحمل مشروعا وطنيا ولا رؤية سياسية تتعالى على ذواتنا الصغيرة ومطامحنا الضيقة…يحزنني أن اقول هذا الكلام لكن الحقيقة مرة غالبا…هؤلاء هم نحن يستخفنا الطفل، وتجمح بنا العواطف الغبية إلى سراديب المجهول….
16 مارس 1981 كنا في حصة أدب مع محمود الخضراء (فلسطيني) في الفصل 6 آداب في القاعة4
من الطابق العلوي بالثانوية العربية…وفجأة دوى الرصاص، خيل إلينا أنه يمزق ستائر النوافذ والأبواب..خرج التلاميذ في فوضى لذيذة ..في تلك اللحظات تعطلت سلطة الإدارة….وخرج الكل في ندية للفرجة على الأحداث….أذكر أننا كنا نمر بين سيارات لاندروفير الجيش المنطلقة بسرعة من المنطقة العسكرية السادسة صوب قيادة الأركان والقصر الرئاسي….وسط قصف يتقطع ويتواصل شرق خزان المياه بجوار الحي C المحاذي للرئاسة…اتجهنا نعدو مع الرتل إلى الإذاعة، حدثونا أن العقيد أحمد سالم ولد سيدي يتجول في الإذاعة، وينتظر قراءة بيان، وأن مدير الإذاعة محمد حبيب الله ولد عبدو يماطل في الأمر، وصلنا خبر آخر يقول إن كادير في مبنى قيادة الجيش، وإنه ينفض (حراق التبغ) على رأس معاوية، ثم شاع أن معاوية غافله وقفز من النافذة فانكسرت ذراعه، غاب عنهما أن الرجل الفار من قبضة كادير سيحكم البلد في أطول فترة حكم حتى الآن، تلاحق دوي الرصاص، شعرنا ببعض الملل والخوف، الأرض بدأت تهتز تحت أقدامنا مع دوي القذائف الكبيرة….ظللنا متلفهين، نحب أن يحدث أي شيء وأن يواصل الرصاص لعبه بالنار….ولا هدف ننشده سوى الاستهلاك المؤقت للأحداث، وانتظار المجهول مهما كانت آلامه دون اكتراث بما ستؤول إليه الأوضاع..
انت تلك بداية رباعية هيدالة وأعوانه…تحدثت سابقا بشيء من التدقيق عن تلك الحقبة التي عشت كل تفاصيلها المؤلمة والمروعة في مدينة الرعب يومذاك انواكشوط التي لم يهدأ فيها حجر ولا بشر عن ذرف الدموع ومواصلة الأنين على معازف المواجع، وأشباح الموت الأسود المتمدد في المخافر والسجون…
سأقلب الصفحة إلى ليلة مشهودة، ولد هيداله في (لخيام) بعد سنة من التأجيل بمناسبة وفاة الملك خالد، ما زلت أذكر ذلك المساء المغبر، والرجل الطويل في دراعته الزرقاء وسرواله البيظاني الواسعة فتحة رجليه، كان إذا رفع ركبته نزل السروال شديدا، يرافقه يحيى ولد منكوس، أحمدو ولد عبدلل، حمود ولد الناجي، وغيرهم…كان الاستقبال باهتا، لا زحام فيه ولا حرارة، ولا محاولة لعدم تضييع فرصة المصافحة…ظل الرجل ممسكا بجهاز راديو صغير يتابع أحداث قمة عربية في المغرب…
تتألف جماعة القرية من ثلاث طوائف: الجماعة التقليدية، والناصريون، والتحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية (AMD) وحد بينها في تلك الليلة موقف مشترك من الرجل…اشتد الخصام، وبلغ التوترالذروة…(يتواصل)…وعدت بهذا من قبل لكن دون تحديد أجل..وسأفعل إن شاء الله..