على طريقة خالد بن الوليد.. ما وراء غبار السلطة الفلسطينية؟/ أيمن تيسير دلول
17 يونيو 2022، 11:20 صباحًا
يذكر المؤرخون أن القائد خالد بن الوليد حينما حمل لواء القيادة في معركة مؤتة، وبعدما وجد أن الفارق كبير في العدد والعدة بين جيش المسلمين وجيش الروم لجأ إلى خدعةٍ حربية تُدّرس في المدارس العسكرية حتى يومنا هذا، فقد جعل الخيل أثناء الليل تجري في أرض المعركة، لتثير الغبار الكثير، فيُخيل للرومان أن هناك مدداً قد جاء للمسلمين في الليل فيدبُ بذلك الخوف في صفوف الأعداء وينعكس على حالتهم المعنوية فينهزمون جسدياً بعد هزيمتهم معنوياً، وحينها يلجأ سيف الله المسلول لخطة النجاة بأقل الخسائر.
الوسيلة التي لجأ إليها القائد بن الوليد منذ عدة شهور تُمارسها قيادة الفلسطينية في رام الله وبشكلٍ احترافي للغاية، ولتوضيح المسألة أكثر سأذكر بعضاً من “أشكال الغبار” الذي تم إثارته مؤخرا، ليتم من بعده توضيح الملفات الرئيسية التي تسعى تلك السلطة لتنفيذها أو التغطية عليها لتنفيذها من أطرافٍ أخرى.
1- لجأت السلطة الفلسطينية مؤخراً لإغراق الساحة الفلسطينية بالحديث عن صحة رئيسها محمود عباس، وأشغلت الرأي العام في هذه القضية دون إصدار موقف أو تصريح في حينه لاطلاع الشارع على حقيقة ما يجري، بل جعلته في حالة تيهٍ دون معلومة حقيقية رغم أنها مسألة مقصودة للغاية.
2- في ظل هذا الواقع تم إصدار قرار بتعيين حسين الشيخ أمين سر لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو قرار كان مقصوداً منه أن يكون “مخالفاً للقانون” كما كان مقصوداً الشخص ذاته “حسين الشيخ” مع ما تُشير إليه الأصابع الفلسطينية من دوره وعلاقته المشبوهة مع قادة الاحتلال الإسرائيلي . بالعموم حدث المراد، فما أكثر الغبار الذي أحدثه هذا التعيين في الساحة الفلسطينية.
3- استحضار الحديث عن أحداث العام 2007 التي جرت بين حركة “حماس” والأجهزة الأمنية التي تقودها حركة “فتح” بغزة في حينه، فبلا مبرر أخرجت قيادات حركة “فتح” من الأرشيف الحديث عن هذه القضية التي يكاد أن يكون قد طواها الزمن، ولما أدركت قيادة حركة “حماس” المسألة كان القرار منها بعدم مجاراة حركة “فتح” في الحديث عن تلك القضية والالتفات لقضايا أهم تجري في الساحة الفلسطينية . خيراً فعلت قيادة حركة “حماس” بقرارها التجاهل لما تفعله “فتح” فبددت بذلك غبار يتم صناعته للتغطية على تحركات أخرى أكثر أهمية.
4- حينما فشلت حركة “فتح” في إثارة الغبار بالمنطقة بالنفخ على في كِير أحداث العام 2007م، انتقلت إلى حلبةٍ أخرى كانت الأجواء مهيأة لها، فكانت جامعة النجاح في نابلس هي الميدان الحقيقي وكان واضحاً بأن قراراً من أعلى المستويات صدر بممارسة أقصى درجات العربدة والبلطجة دون استثناء أحدٍ منها فلا فرق بين محاضر جامعي أو طالبة وطالب أو شخصية اعتبارية ، ما جرى أمر طبيعي حسب مخطط قيادة السلطة الفلسطينية ، فإثارة الغبار الكثيف في المنطقة مسألة بالغة الأهمية لتنفيذ أجندة مهمة .
إثارة الغبار على طريقة القائد خالد بن الوليد مسألة طبيعية أمام قضايا أو ملفات تسعى السلطة الفلسطينية لإغلاقها أو مساعدة الاحتلال في ذلك، ومنها ما يلي:
1- ملف حقل الغاز الفلسطيني الكبير الذي سُمي (غزة مارين) ويحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تكفي لسد احتياجات الضفة الغربية والقطاع لأكثر من 25 عاما، إضافة لإمكانية تصدير كميات منه، وبحسب خبراء فهو يقع على مساحة تفوق 1000 كيلومتر، ما يعني أنه يحوي احتياطا كبيرا من الغاز، ولإغلاق الملف فالتصريحات والتحركات الميدانية تتوالى بهذا الخصوص ومنها إعلان رئيس السلطة الفلسطينية التوجه إلى قبرص “وهو الذي كان عليل الصحة قبل أيام”!!. هي جولة واضح بأن أهم ملفاتها مسألة الغاز الأكثر حساسية لدى المجتمع الفلسطيني في وقتٍ تعاني خزينته ضعفاً في السيولة مع ارتفاعٍ غير مسبوق للأسعار.
2- التقسيم الزماني والمكاني من قبل الاحتلال الإسرائيلي بات مسألة بالغة الحساسية والإحراج بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي أظهرت وسائل الإعلام غيابها عن ساحة مواجهة الاحتلال ومخططاته داخل ساحات القدس، لكن الواقع أن الانشغال بصناعة الغبار سابق الذكر تعني باختصار ترك المقدسيين وحدهم في مواجهة مصيرهم دون ممارسة السلطة لدورها في ذلك من خلال السفارات والمقاومة الشعبية وغيرها من الوسائل والأدوات التي لا يمتلكها أحد غيرها.
3- تسعى قوات الاحتلال الإسرائيلي للقيام بأكبر عملية تهجير منذ النكبة الفلسطينية عام 48، وهو تهجير يستهدف قرى “مسافر يطا” جنوب الخليل والتي تبلغ 12 قريةً بمساحة تمتد لأكثر من 22 ألف دونما، حيث تدّعي سلطات الاحتلال أن سكان القرى رُحّل وليسوا مقيمين.
4- وفيما يتعلق بالملف الرابع المنوي إغلاقه ، فقد كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية مؤخراً أن رئيس الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال وقع على أمر الشهر الماضي بالسيطرة على 22 ألف دونما قرب أريحا وتحويلها إلى محمية طبيعية جديدة في الضفة الغربية، وهي المحمية الطبيعية الأكبر التي تعلن عنها “إسرائيل” منذ اتفاقيات أوسلو . طبعاً هذه “المحمية” التي أعلن عنها الاحتلال، هي وادي المقلق، تبلغ مساحتها 22 ألف دونما، ربعها أراضي فلسطينية خاصة، والباقي أراضي دولة تتبع (للسلطة الفلسطينية).
5- الأزمة الخامسة التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنهائها تتمثل في القضاء على العمل المقاوم للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والذي بدأت براعمه تنمو مؤخراً، وأكثر ملف أقلقها لحجم الجهد والتجهيز خلاله هو ما أسمته “نفق بيتونيا” ونتيجة الضغط الشعبي الواقع عليها من شدة التعذيب لمجموعة من الشباب الفلسطيني فهي تلجأ لإثارة غبار للتغطية على جريمة متكاملة الأركان تجري وتدور رحاها داخل ما يُعرف بـ ” مسلخ أريحا” سيء الصيت والسمعة.
6- أما الملف السادس الذي يقض مضاجع السلطة الفلسطينية وتعمل جاهدة لإغلاقه أو حرف الأنظار إلى غيره فهو ما يتعلق بالغلاء الفاحش للأسعار في الضفة الغربية المحتلة ، وبات يكوي ظهور المواطنين وجنوبهم، ودفع الخليل للخروج عن صمتها والإعلان عن حراكٍ ضاغط ورافض لهذا الغلاء الفاحش.
صحيح بأن بعض الملفات التي تسعى السلطة الفلسطينية لإغلاقها تتعلق بها، بينما البعض الآخر على علاقة بالاحتلال الإسرائيلي ، وهذا أمر غير مستغرب فتلك السلطة التي ربطت مصيرها بمصير الاحتلال الإسرائيلي وجعلت من التنسيق والتعاون الأمني مع المحتل عامود خيمةٍ تتمسكُ به وترفض تركه، بل وتجعل منه الحبل المتين لوجودها.