القاموس المحظور../ المرتضى محمد أشفاق
الكتابة رفض الإحجام، وإلغاء عصمة الوثن، وتعرية الوقار المزيف … قاموس المناطق المحظورة لا ذنب له، منه ولدنا، ومنه أنجبنا، ولنا فيه مآرب أخرى..الغريب أني أحيانا أتهيبها وأتجاهلها وهي تقف بكل مفاتنها وسحرها مراودة إياي عن نفسي….
في شرعي البياني على الأقل أن الكلمة بريئة، نحن من ندنس طهرها باعتبارها بنية مستقلة منفصلة عن سياقها، نعزلها لنراها خارج النص في مكانها الأصلي من جسم الإنسان، والتركيز على ترجمتها إلى ما تحيل إليه في باب نواقض الوضوء في المتون الفقهية..
وكان العرب يستعملونها لحاجات بلاغية دون ترجمة لأن اللهجات لم تظهر…عندما تدفعني الضرورة الفنية إلى استعمال هذا المحظور فإنني أرميها في حقل لا تحتاج معه إلى أن تخصف عليها من ورق الجنة لأن الشيطان لن يستطيع العبور عبر أفعى ليريها سوءتها…لكن بعض القراء يمارس الإرهاب اللغوي والبلاغي ليجردها من لبوسها، ويكشف عن عضوها الحميم ويتلمسه فكرا، وريبة، وتلذذا، ويفتعل الانزعاج وهو يستمتع، كمن يتوقى بالنظارات المظللة مشاهدة العورة أمام الناس ويستعيذ بالله من فعل السفهاء، وفجور الأغبياء، وهو يستغفل الناس ويزجر الأطفال عن مشاهدة المنكرات، ويترك الفجوة بين أصابعه ليسترق النظر إليها في ادعاء رخيص لورع زائف..
فينا من يُعْلِن الهجرة عن بلد الآثام لأن النملة منكشفة لا تجعل الإزار على عورتها، أو لأن الخروف يرضع أمه وقد بلغ سن التحفظ من لمس ما لا يجوز له منها…يا سلام، يا سلام، أيها الإخوة الكرام ادعوا جميعا ببركة هذا الورِع الصالح أن ينزل الله علينا الغيث ولا يجعلنا من القانطين…
أسرار الكتابة والتجوال بين حقول الكلمات، وأزمة الاختيار، وازدحام الألفاظ المتقاربة، والتداخل الشديد بين الدلالات والمجازات، دنيا مسكونة بتأزيم الأغبياء، والخاسر من يسوق كلماته بالعصا لتمر بين منعرجات هو نفسه لا يهتدي فيها…لا لرهبانية الكلمات !!التصومع ضد كلمات تغرف من بساتين الجنس والعورة، أدخل الحسانية في أزمة دلالات…هربنا من المحظور لتصبح كل لغتنا إحالة تنوب عن المحظور المحكوم عليه بالنفي خارج مملكة الكلام المباح..
لكن شرود الوحش البشري المختبئ فينا إلى مناطق العفن، والتوجس، والريبة، وتفكيرنا البدوي البدائي وتحكم الحاسة الجنسية الهابطة فينا جعلنا في حالة استنفار متواصلة، وحساسية مفتعلة من قاموس مفرق الجماعات…وما أكثر الذين تتسلق نظراتهم جسد المرأة من الكعب إلى النحر يقفون فيه عند كل منبسط، وكل ناتئ، يرحلون بتمعن في تضاريسه وهادا، ومنعرجات، ومرتفعات، وهي تحاضر، أو توجه، أو تتلو كتاب الله، فلا يسمعون حديثا، ولا يعون قولا، لأنهم ذابوا في مفاتنها الجسدية عن محاسنها العلمية…كم من مصل انشغل بِعَدِّ شعر رقبة الإمام من الخلف، أو بتشقق قدميه حتى انتهت الصلاة وهو لا يدري بأي سورة صلى الإمام في جهريته، لأنه كان يعمر جراب الغيبة..
هل نحن مقبلون على لغة الإشارة ؟؟؟…
كنا عند المرابط، و في أحد أقفاف خليل ابن إسحاق، في حديثه لنا عن الاحتياط في الطهارة والاستبراء بسلت الذكر، قال لنا مستطردا إن أحد الشراح رآه أحد الصالحين فقال له إنه دخل الجنة بسبب شرحه للاستبراء من الغائط بالارتخاء حتى تنفرج ثنيات الدبر فيزال الأذى قبل أن تنكمش عليه، الشيخ لم يتهيب اللغة المبينة للحكم لأن فيها حديثا عن وقاحات … العفوية هي نقاء التفكير قبل العودة إلى التمثيل على خشبة مسرح التخلق والتخفي وتغييب الذات الفردية الحقيقية في ذات جماعية زائفة… الكلمة معنى متجدد وليست تمثالا لغويا جامدا يطوف حوله القراء الأميون، ويسحبونه إلى المضاجعة، وبكاء البكر من آلام المواقعة الأولى وتهويل أسطورة البقع الحمراء …..