ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول في حركة حماس لجهة لقاءات تجري بين قيادات حمساوية ومسؤولين سوريين في دمشق ، تمهيداً ربما لعودة العلاقات رسمياً بين الطرفين، لم يكن مفاجئاً كثيراً ، ثمة مؤشرات وتصريحات أطلقها قياديون في الحركة منذ سنوات وتحديداً في العام 2019 ، عندما أكد محمود الزهار لموقع النهضة نيوز بأن دمشق فتحت الباب أمام جميع الفصائل وكان على حماس أن لا تغادر دمشق ، تصريحات أخرى قالها كل من صالح العاروري وخليل الحية عن الدور السوري المحوري، وكذلك التوصيف الأبرز لاسماعيل هنية يومها بأن ما يجري في سورية هو فتنة ، ولا ننسى تصريحات أسامة حمدان في السنة الماضية عندما رد التحية للأسد بعد لقاء الأخير وفد من الفصائل الفلسطينية وأكد يومها على أن باب دمشق مفتوح للجميع بمن فيهم حركة حماس ، فمالجديد إذاً ، ولماذا الآن تلك اللقاءات والإعلان عنها ؟
الجميع يعلم حجم التصريحات النارية والتراشق الاعلامي الكبير بين إيران وإسرائيل، وجملة من التطورات والتصعيد السياسي والميداني الذي رافق ذلك التراشق، وما باتت تُظهّره إسرائيل للعلن لجهة مفاعيل تحالفها مع العرب، وحتى الاعلان عن مشروع أميركي لتوحيد الدفاعات الجوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل و بعض الدول العربية ، وكذلك تصريحات كيسنجر عن تصعيد كبير في المنطقة ، قيل أن بوادر حرب باتت تلوح في الأفق ، لاحظوا أن تصريحات المسؤول الحمساوي لرويترز جاءت بالتزامن مع زيارة إسماعيل هنية للبنان ، هنا يمكن القول أن إيران تلعب دورا هاماً في عودة الحركة، لجهة التحضير لمواجهة محتملة، على قاعدة ما كانت تتحدث عنه شخصيات مقربة من المقاومة، بأن أية مواجهة ستكون متعددة الجبهات، وهذا أيضا ما تحدث عنه غير مرة أفيف كوخافي رئيس هيئة الأركان ، وبالتالي أن تكون حماس جزء من هذه المواجهة متعددة الجبهات ،هي جزئية مهمة وأساسية فالحركة خبرت مواجهات عديدة مع الاحتلال ولها تقديراتها الخاصة والوازنة في هذا المعنى.
البعض عاب على الحركة هذا التحول ووجدوا فيه نسيان للدماء الفلسطينية التي سالت في سورية ولاسيما في مخيم اليرموك وحجم الخراب والتهجير الكبير الذي طال المخيم ، والجميع لاينسى المشهد الأبرز عندما رفع خالد مشعل وإسماعيل هنية علم الثورة السورية منذ البدايات وكيف شكل ذلك نقطة تحول كبيرة ومهمة في سلوك الحركة , هنا تحديدا يمكن الجزم بأن التحول في خطاب الحركة تجاه دمشق ، جاء بعد مرحلة عوّلت فيه الحركة على صعود تيارات إسلامية بعينها ، وتصدرها مشهد الحراك العربي ، وربما كان طبيعياً أن تتغلب الايديولوجيا والانتماء في لحظة تفاعل كبيرة، على المصلحة ، وهنا كان الخطأ في تقييم الأمور ، والمطارح النهائية التي من الممكن أن تصل إليها ، وهذا ليس عيباّ في ظل التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة، وتعيد فيها دول النظر مجدداً في شكل التقييم والتعامل السياسي، فما بالك بحركة لها تاريخ طويل وكبير في مشروع المواجهة مع الاسرائيلي، وفي ظل الحديث المتزايد عن احتمالية مواجهة مختلفة مع هذا الاحتلال ، فالسياسة لا ترسم ملامحها ولاتحدد ماهيتها سوى المصالح وتبقى هي أم المتغيرات .