أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، عن قراره تزويد بيلاروس بمنظومات “إسكندر إم” الصاروخية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وكما هو معلوم، فإن “إسكندر إم” هي منظومة تكتيكية قادرة على حمل صواريخ بالستية ومجنحة التقليدية منها والنووية على حد سواء. يأتي ذلك في توقيت شديد الحساسية والدقة، بعدما كشف الرئيس الروسي عن أن الأمريكيين يخزّنون 200 رأسا نوويا في دول أوروبية في حلف “الناتو”، كما جهزوا 257 طائرة أمريكية وغير أمريكية قادرة على حمل تلك الرؤوس النووية. كذلك يأتي هذا الرد عقب وقف ليتوانيا لـ 50% تقريبا من البضائع المتجهة من روسيا إلى كالينينغراد الروسية عبر أراضي ليتوانيا، واعتزامها فرض حظر كامل، في انتهاك صارخ للاتفاقيات المبرمة ما بين روسيا والاتحاد الأوروبي، والتي تلزم الأخير بفتح ممرات بين أراضي الدولة الواحدة، وهو ما أسماه الرئيس البيلاروسي “إعلان حرب”.
يأتي ذلك أيضا بعد مناورات وتدريبات ومناوشات عبر مشكلة اللاجئين على حدود بيلاروس الشتاء الماضي، حيث حشد الجيش البولندي قواته على أعتاب دولة الاتحاد (بين روسيا وبيلاروس)، التي دخلت فعليا حيز التنفيذ عام 1999. لذلك استخدم الرئيس البيلاروسي، لوكاشينكو، تعبير “إعلان الحرب”، لرؤيته الحقيقية للوحدة بين مصير الشعبين وحدود الدولتين.
لذلك فإن الرد الروسي/البيلاروسي هو رسالة واضحة ليس إلى ليتوانيا فحسب، وإنما كذلك إلى دول “الناتو” التي تهدد بيلاروس وروسيا معا، ولم يأت هذا الإعلان صدفة من بطرسبورغ، المتاخمة لفنلندا والسويد ودول البلطيق، حيث يؤكد الرئيسان أن التهديدات الغربية التي تواجههما ذات طبيعة واحدة، ومن مصدر واحد، كما يؤكدان على أن أمنهما الجماعي هو خط أحمر لن يتهاونوا فيه إذا ما حدث الصدام، وسوف تكون العواقب وخيمة مدمرة، دون استبعاد استخدام الصواريخ التكتيكية النووية.
لقد نجحت العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في تدمير البنية التحتية لـ “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت مجهزة لنقل الأسلحة التكتيكية النووية إلى أوكرانيا، لاستخدامها ضد روسيا، وكانت تلك الرؤوس ستستغرق دقائق معدودة للوصول إلى وسط روسيا.
ويأتي لقاء بوتين ولوكاشينكو اليوم في ظرف شديد الدقة، كي يفهم من لا يريد أن يفهم أن تجهيز الولايات المتحدة الأمريكية لكل تلك الرؤوس النووية، والطائرات، وعزل كالينينغراد من قبل صبيان الولايات المتحدة من صغار الدول هو “لعب بالنار”، يمكن أن يتسبب، ولو حتى بالخطأ، في كارثة ستدمر أوروبا.
2
على الجانب الآخر، وفي سياق القضية السورية، تواجه روسيا اتهامات باتخاذها قرارا بـ “عدم المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية السورية”، وهو اتهام خاطئ في جوهره، حيث أن روسيا واقعيا لا “تشارك”، وإنما “تنظّم” و”تنسق” أعمال اللجنة الدستورية، أما المشاركون في هذه اللجنة فمعروفون وهم ثلاثة وفود: وفد دمشق، ووفد المعارضة، ووفد المجتمع المدني المسمى اصطلاحا “الثلث الثالث”. ذلك إلى جانب ممثلي هيئة الأمم المتحدة، وأحيانا ما يشارك أثناء اجتماعات اللجنة الدستورية وفود أخرى من تركيا وإيران وأحيانا ما تشارك وفود أمريكية أو دول أخرى، تجري لقاءات مع أعضاء اللجنة الدستورية خارج القاعة الرئيسية لاجتماع الوفود الثلاثة، أما المشاركون فهم كما أسلف الوفود الثلاثة من السوريين،والسوريين فقط.
أما حقيقة الاتهامات، فتعود لما اقترحه ممثل الوفد الروسي، لتغيير مكان الاجتماع بسبب أن سويسرا لم تعد دولة محايدة، وتعرقل وصول أعضاء بعض الوفود، من خلال عدم منحهم تأشيرات دخول إلى الأراضي السويسرية، على الرغم من حصولهم على دعوات رسمية من الأمم المتحدة.
وبهذا الصدد أود التأكيد على أن روسيا حريصة كل الحرص على استمرار عمل اللجنة الدستورية، وسوف تتواجد دائما بالقرب منها، إلا أن قرار مكان اجتماع اللجنة سوف يحدده السوريون بالتنسيق مع ممثل الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة الخاص بسوريا، غير بيدرسون، الذي أعلن عن الاجتماع القادم، في النصف الثاني من الشهر القادم، في جنيف، وسوف تتواجد روسيا بكل تأكيد إذا ما تم عقد هذا اللقاء.
كذلك تواجه روسيا اتهامات بـ “إيقاف آلية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا”، عن طريق رفضها لتجديد قرار آلية تمديد نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود، المزمع في مجلس الأمن في 10 يوليو المقبل، إلا أن روسيا تتعامل مع القضية من منظور القانون الدولي، لأن احترام سيادة الدولة السورية من جانب، والمحاولات الأمريكية والغربية للتشكيك في شرعية الحكومة السورية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، هي لب القضية. فالغرب والولايات المتحدة الأمريكية يسعون إلى تجاوز المعابر الرسمية التي تشرف عليها السلطات السورية في دمشق، ويفضلون استخدام ممرات أخرى ليست تابعة في الوقت الراهن لإشراف الحكومة السورية، لإيصال المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة.
يدفع ذلك روسيا، كل ستة أشهر، إلى لعب دور الوسيط مع السلطات في دمشق لدوافع إنسانية بحتة، إلا أنه، وفي كثير من الأحيان، تصل المساعدات بكميات ضخمة إلى أماكن وجهات أخرى يتصرفون ويوزعونها كما يشاؤون. لهذا السبب أعلنت روسيا أن التجديد الذي تم تمريره منذ 6 أشهر سيكون الأخير من نوعه، لإيصال المساعدات الإنسانية بهذه الطريقة، وبداية من يوليو القادم، سيتم مناقشة آلية إيصال المساعدات، على أن تترك روسيا القرار للقيادة السورية الشرعية، والتي يتعين على المجتمع الدولي احترامها وفقا للقوانين المتعارف عليها في الأمم المتحدة.
وأعتقد، وفقا لما لدي من معلومات، أن دمشق سوف ترفض الموافقة على التمديد، وستطرح المعابر التي تشرف عليها الحكومة السورية الشرعية. وفي هذه الحالة فسوف يكون موقف موسكو بالتأكيد داعما لرغبة الحكومة السورية، سواء بالرفض أو الموافقة.
3
جاء في تقرير، عرضته صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الولايات المتحدة الأمريكية عقدت اجتماعا سريا لكبار المسؤولين العسكريين من إسرائيل ودول عربية في مارس، بمدينة شرم الشيخ المصرية، تناول “آليات التنسيق ضد قدرات إيران الصاروخية والمسيرات الإيرانية”. وأوضح التقرير أن “المحادثات، التي لم يكشف عنها من قبل، كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها ذلك المستوى من كبار الضباط الإسرائيليين والعرب، برعاية عسكرية أمريكية، لمناقشة كيفية الدفاع ضد تهديد مشترك”.
وكان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد أعلن منذ يومين عن دعمه لفكرة تشكيل “تحالف عسكري شرق أوسطي على غرار حلف شمال الأطلسي”، على أن يتم ذلك مع الدول التي “لديها نفس التفكير”، وجاء الإعلان بعد أيام قليلة من إعلان تل أبيب عن تحالف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط في مواجهة إيران.
ومع كل الغموض الذي تطرحه هذه الاجتماعات السرية، والإعلانات المبهمة، أجد أن تشبيه ذلك التحالف بـ “الناتو”، وإطلاق تعبير “الناتو العربي” لم يكن فكرة موفقة، فـ “الناتو” حلف عدائي توسعي في طبيعته، ونحن نرى نتائج طموحات وأوهام الهيمنة أمام أعيننا فيما حدث ويحدث في أوروبا على مدار العقود الثلاث الأخيرة على أقل تقدير. لكن، إضافة إلى ذلك، فالفكرة ليست جديدة، وجرت محاولات سابقة لتنفيذها، وباءت للفشل مع الأسف الشديد.
أعتقد أن محاولة إعادة تنفيذ هذه الفكرة مجددا ستصطدم بعقبات هائلة، لتواجد قواعد عسكرية أمريكية ضخمة في بعض الدول العربية بالدرجة الأولى، تقيّد حرية هذه الدول في المشاركة بأي تحالفات عسكرية أخرى.
وبهذه المناسبة، أود توضيح أن أكبر خطر يمكن أن تتعرض إليه الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط هو تواجد القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها من قواعد “الناتو” على أراضيها، والتي يمكن استخدامها ضد روسيا أو الصين حال نشوب صدام عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو” من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى. بل إن هناك معلومات مؤكدة عن وجود رؤوس نووية تكتيكية في مستودعات القواعد العسكرية الأمريكية في بعض الدول العربية.
بإمكان المرء أن يتفهم حساسية الوضع على الحدود الأردنية السورية، وهو الوضع الذي كان نتيجة للتواجد الأمريكي غير الشرعي في قاعدة التنف بالدرجة الأولى، وانتشار المجموعات المسلحة المزعزعة لأمن الحدود، وعمليات التهريب وخلافه.
إلا أن الاستناد إلى إنشاء تحالف عسكري لمواجهة خطر “التوسع الإيراني” هو فكرة غير منطقية ولا مستدامة، فسوريا دولة ذات سيادة وإرادة حرة، تمنحها حرية اختيار الدول التي تتحالف معها، والتحالف السوري الإيراني موجه بالأساس ضد دولة الاحتلال الصهيوني، إسرائيل، وموجه لحماية المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وموجه لتحرير الجولان السوري. وبدلا من التصعيد بين الدول العربية من جانب، وبين إيران من الجانب الآخر، وهو التصعيد الذي تستفيد منه إسرائيل، يجب على الدول العربية أن تسعى نحو العكس تماما. أن تسعى لإيجاد أرضية مشتركة للحوار، ولإقامة علاقات حسن جوار، والبحث عن المصالح المشتركة التي توفر الفائدة لجميع دول المنطقة على حد سواء. وأظن أن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج يدركون جيدا الآفاق المثمرة لمثل هذا المسار.