علو كعب العالم في العلم يجعله يتهيب مسؤولية الفتوى
إذا علا كعب العالم تهيب تحمل مسؤولية الفتوى، واكتفى بالإحالة إلى ما ورد في المسألة من أقوال وآراء، ولم يغفل عن الإشارة إلى الأقوال الشاذة، منبها إلى الراجح والمرجوح، تلك أمانة علمية ما تركها أهل العلم مهما كانت مواقفهم من المخالف…لأن لكل فئة حججها وأدلتها وقراءتها للنصوص، والاختلاف عذر لمن أخذ به…
وكلما تدنى المستوى المعرفي، أصاب صاحبَه العجب، وتجاسر على فتوى الذي أحاط بكل شيء علما، لأنه لا يعلم أنه كلما اتسعت دائرة المعلوم اتسعت دائرة المجهول…
سألت مرة أحد علمائنا عن العامل المنزلي إذا كان رجلا يدخل على النساء، ويخدمهن، بتقديم المغاسل، والطعام، والشاي، وهن لا يتحفظن منه، يرين منه ما لا يباح لهن، ويرى منهن ما لا يباح له…ثم عن حكم العاملة المنزلية تدخل على الرجال في نفس المهام، والعادة أن تكون ثيابها خفيفة ملائمة للعمل، وقد تكون فاتنة…فقال لي إن هذا يدخل في باب البلوى العامة…
سألت عالما آخر فأحالني إلى قصة سيدتنا فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما جاءته تطلب عاملا يساعدها وأرته يديها وقد مجلتا، فعلمها ذكرا هو خير لها في الدنيا والآخرة…ثم اجتمع خلق كثير من أسارى حنين، فوهبها غلاما، فردته إليه لأن لها ثوبين فقط، تتسوق بأحدهما وهو الساتر، وتستريح في الآخر فلا يراها إلا زوجها وبنوها، وكانت إذا غطت رأسها ظهرت ساقاها، وإذا أسبلته إلى ساقيها بان شعر رأسها، فقالت لأبيها صلى الله عليه وسلم خذه إليك يا أبت لا يمكن أن أكون أنا وهو في مكان واحد…
ومعلوم أنه ليس في بيت سيدتنا فاطمة بيت للخادم، وغرف للعيال بملحقاتها من دورات مياه، ودواليب، وصالات للضيوف، وجلسات لاستعراض موضات التأثيث، وهي زوج وزير كان يأكل مما كسبت يداه، من عرق جبينه، ومن سقاية نخيل اليهود غالبا ولا يجذب الماء إلا بيديه…
حدثوا أنه احتاج مرة إلى نفقة زائدة لعارض، فزاد ساعات عمله، فزاده اليهودي أمداد تمر، وفي اليوم الموالي عاد إلى سالف برنامجه فعرض عليه اليهودي أن يزيد فيزيده، فأبى علي وقال لقد انتفت الحاجة…
وحدثوا أن سيدتنا فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه واسلم اضطرت للعمل أياما خادمة في بيت أسرة يهودية للحصول على ما يسمي اليوم(جِيرِتْ لٍمْبِنْدَانَ)، لأن ولدها الحسن مرض، وضعف، واحتاج إلى نفقة غنية لا تتوفر في بيت الوزير علي بن أبي طالب…
وحدثوا أن سيدتنا فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تُرَى على صفحة عنقها آثار حبال، هي عرا قِرَبٍ، لأنها كانت تتناوب مع سيدتنا فاطمة بنت أسد أم الوزير سيدنا علي بن أبي طالب على جلب الماء من البئر وحمله على ظهورهما بإدخال الرأس في عروة القربة، لأنهما لا تملكان عاملا يسقي لهما، ولا حمارا تحملان عليه القرب….