بعد حوالي نصف قرن قضيته من حياتي دراسة وعملا وديبلوماسية, في شمال أوروبا. اكتشفت جمال الحرية في القول والكتابة والعمل,واكتشفت أيضا حجم النفاق في الديمقراطية الأوروبية.
كثيرا ما تحدثت بهذا الأمر الذي هو النفاق مع أصدقائي الأوروبيين ومع زوجتي وافراد اسرتها النرويجية , وكان رد فعلهم متوافقا مع ما أقول دون مجاملة لي او نفاق, فهم أسرة مسيحية متدينة أحد أفرادها وشقيق زوجتي قسيس, يقود صلاة الأحد أحيانا في الكنيسة. السؤال الذي لم أجد لدى الساسة
الآوروبيين جوابا مفيدا له هو التالي:
لماذا اضطهدتم اليهود, وعاديتم السامية و؛أحرقتموهم أحياء, منذ ان تواجدوا في اوروبا المسيحية, وباستمرار وصولا الى الحرب العالمية الثانية ؟ وماهو السبب ؟ كيف عامل العرب والمسلمون اليهود وفي عهد الدولة الأموية في الأندلس وفي كل الدول العربية والاسلامية عموما ؟ قبل وصول النازية اليكم ومن دولة قاد احد أهم دارسي الكهنوت فيها الصراع ضد الفاتيكان وأسس مذهب البروستانتينية ؟ المثقف الأوروبي
والمواطن المثقف اليهودي يعرفان الاجابة على السؤال, ويعرف الاجابة أيضا كل صانعي القرار في أوروبا , وأقصد السياسيين والاعلاميين.
فقبل أعوام قليلة من سقوط الدولة الأموية في اسبانيا عام 1492 , كتب الكاتب المسرحي الانكليزي الكبير وليام شكسبير مسرحيته المعروفة بعنوان تاجر البندقية, وجعل فيها اليهودي تشايلوك بمثابة قاتل يريد انتزاع قلب التاجر المسيحي انتونيو لعدم تمكن الاخير من اعادة القرض الذي قدمه له تشايلوك اليهودي, بينما خلال هذه المرحلة التاريخية كان اليهودي في الخلافة العربية الاسلامية في أوروبا يعيش أفضل مرحلة عاشها اليهود في تاريخهم , والتي وصفها كاتب يهودي اسمه نسيم رجوان في صحيفة (الآزمنة الحديثة) التي كانت للفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر عام 1966 بالمرحلة الذهبية للفكر اليهودي منذ عام 1050 ميلادي وحتى عام 1492 عام سقوط الدولة الاموية العربية, ففي تلك المرحلة نشأ أهم واكبر مفكريهم وشعرائهم الذين كان لهم الحق بالحكم ايضا, وباستخدام لغتهم العبرية, والتي جاءت من جذراللغات السامية كاللغة العربية. ومن أشهر كتابهم في تلك الحقبة من التاريخ الذي يفتخر به اليهود. جابيرول,ويهوذا هاليفي, وموسى بن ميمون,وجوزيف أبون, وباهيا بن باكودة, وآخرون. ولابد من التنويه بأن بن جابيرول معروف باسم افيسبرون عند الشعوب اللاتينية.
وعندما وصلت الخلافة الدينية العثمانية التي تحولت من خليفة الى سلطان . لم يضطهد اليهود بل عوملوا معاملة المواطنين في العالم العربي الذي وضع العثمانيون سلطتهم عليه ومن خلال الدين. وبما أن للأمر علاقة هامة لمواجهة الحملة الأورصهيونية على شخصية اعلامية جريئة بحجم الأستاذ عبد الباري عطوان, وجدت نفسي مضطرا لهذه المقدمة والتنويه الى براءته وبرائتنا نحن العرب والفلسطينيين خصوصا من ا هذه التهامة الغبية بمعاداة السامية, ولأسباب تجبرني بأن أدعو كل من يتهمنا او يتهم مثقفينا أو اعلاميينا بمعادة السامية, أن يستفيد ويتثقف بالتعرف على التاريخ بحاضره وماضيه, فسيجد أن الفارق بيننا نحن الفلسطينيين العرب ومن يدافعون عن اسرائيل باتهامنا بمعاداة السامية هو فارق حضاري وثقافي كبير, وعليهم أن يعودوا الى تاريخهم وتاريخينا ليجدوا كم كان تاريخهم مبحرا في دماء اليهود ودماء العرب ولا يزال.
عبد الباري عطوان اعلامي , سياسي منحاز لقضية شعبه الفلسطيني, ولكل المظلومين في العالم بما فيه من مسلمين ومسيحيين ويهود وأيةُ ديانة أخرى أو,عرق آخر, وهو أذكى من أن يُزج به في خانة معاداة السامية ولديه أصدقاء يهود ليسوا صهاينة, وتاريخه نظيف بعمله الصحفي وتفوقه مهنيا على صحف تمتعت بميزانيات كبيرة في لندن استطاع خلالها وبميزانية صغيرة أن يجعل من صحيفة القدس العربي أفضل صحيفة عربية موضوعية , وذلك من خبرته الواسعة في العمل الصحفي في احدى الصحف العربية المشار اليها والى ميزانياتها. وفي صحف اخرى بتمكنه من اللغة الانكليزية أيضا.
لابد من الاشارة بوضوح الى أن أوروبا كانت ولا زالت تكره اليهود, بل أقول ان معظم سياسيي اوروبا كانوا ولا زالوا يكرهون اليهود لكنهم يخشون الحركة الصهيونية , بل هناك من يلبس لباس المدافع عنهم كالرئيس بايدن والسايقين رؤساء وزراء بريطانيين جونسون وتراست الذين تفاخروا بأنهم صهاينة, لكنهم وخوفا من ناخبيهم لم يقولوا بأنهم يتفاخرون كيهود فهم مسيحيون, لكنهم مسيحيون صهاينة. ولهذا هم أعداؤنا, وليس اليهود عموما.
انه لمن المجحف والبعيد عن الواقع والعدالة والأخلاق أن دولة انتُدبت على فلسطين وهي بريطانيا تتخلي عن مهمة الانتداب فتمنح دولة ليست لها الى اقلية دينية لا ننكر حقها بأن تتمتع بمواطنتها كفلسطينية يهودية بنفس المساواة معنا نحن الاكثرية الاسلامية المسيحية, ولهذا فان مشكلتنا مع الصهيونية الاوروبية المنافقة اكبر يكثير مما هي مع الصهيونية اليهودية والتي لاتمثل كل يهود العالم, بل انها تمثل مشروعا استعماريا استيطانيا (علمانيا) تستخدم به حقا الهيا لايوافق عليه يهود العالم, وعندما يتحدث اعلامي بريطاني من اصل فلسطيني عطوان , ويقول الحقيقة, فتبدأ أنياب (الديمقراطية) الاوروبية المشوهة باتهامه بمعاداة السامية. ليس عطوان هو المعادي للسامية, بل الساسة الاوروبيون هم المنافقون بالتعبيرعن (حبهم) المنافق واتهام الآخرين بمعاداتهم لها والتي كان أسلاافهم من عادوها, ولا يزالون لأنهم ليسوا سعيدين بوجود اليهود أصلا في أوروبا, ثم يأتون ليعلمونا درسا بالمحبة والكراهية
لم يسلم منهم حتى القائد العمالي جيريمي كوربن علما بأن أحد مستشاريه يهودي, وبعد ستين عاما من التزامه بقيم الاشتراكية الدولية طعنوه بهذه التهمة, وفصلوه من الحزب العمالي العريق, واذا حاولنا أن نصل الى من كان وراء هذه الطعنة, سنجد أن وراءها شخص حقود معاد ليس لليهود فقط بل انه من سلالة من كانوا معادين حقيقيين للسامية.
اود ان أُنهي مقالي بسؤال استفساري وهو : هل تكذب علينا مؤسسات حقوق الانسان الدولية أو الباحثين في مجال نظام الابرتايد عندما يصفون اسرائيل بالنظام العنصري, ومنهم الصحفي الاسرائيلي المعروف غيدون ليفي؟ وماذا عما يحدث اليوم في ميدان الرياضة والمطالبة بمقاطعة قطرالمضيفة لها قماذا سيقول متهموا معاداة السامية لو كانت اسرائيل هي الدولة المضيفة وليست قطر؟ هل ستكون لهم الجرأة الادبية ليطالبوا بمقاطعة اسرائيل ؟
طلبي الوحيد للجهلة الذين يريدون وضع هذا الصحفي المهني الكبير عبد الباري عطوان ظلما في خانة المعادين للسامية , أقول لهم : عودوا الى تاريخكم واقرأوه, وتثقفوا كي تتعرفوا على حاضركم فتنتقلوا من العتمة الى ساحات الضوء. لأنها مفتوحة للمبصرين.