مؤسستنا العسكرية والديمقراطية/ النجاح بنت محمذ فال
تم الزحف نحو التعددية مبكرا فى الأوساط السياسية الموريتانية ..ولكن خصمها العنيد لم يلبث أن غزاها فكادت المطامح التعددية تتحول الى أفواج عشائرية .
ويبدو الأمر غير معزول عن دور الجهاز الأمني الوليد بإرادة استعمارية لا ترى فى التعددية المنبعثة من إرادة راديكالية نسجتها الثورات اليسارية – جزائرية – مصرية وغيرها – ما يرضى نهمها السياسى !
من هنا حل الارتباك ! ليس فقط فى رُؤية القائمين على السلطة ، ممثلين فى المختار داداه ورفاقه ، بل حتى عند خصومهم السياسيين .. فكان هذا التوجس من غزو العشائرية للأفكار السياسية العصرية أحد الأسباب الباعثة على الاندماج السياسي الأول 1964 والذى بمقتضاه ذابت الأحزاب فى حزب واحد هو “حزب الشعب” .
وحسب السيدة مريم داداه – فى مقابلة لي معها – لم يكن من ذلك بُدٌّ في بلد يفتقد إلى المؤسسات الضامنة للبقاء مثل الجيش والعدالة.
ومن هنا بدا التفكير فى بناء مؤسسة عسكرية لم يجد القادة السياسيون في ذلك الوقت حرجا فى التاسيس لها اعتمادا على دعم عسكري من المستعمر الفرنسي الذي كادت المؤسسة الامنية هي ما ورثناه عنه رغم عائدات الثروة المنجمية وما يتم وثتها جبايته من الثروة الحيوانية .
و تم اعتماد تقليد متبع فى ذلك الوقت لدى الفرنسيين وهو الاعتماد على أبناء النبلاء من المجتمع فى قيادة المؤسسة العسكرية من مختلف الموريتانيين على حد سواء ، حيث لم يكن التوجس من الصراع الاتنى حاضرا حينها حيث تنعدم جذور الصراع نظرا لمتانة العلاقة بين المجتمع البيضاني و الأقليات الفلٌانية المنحدرة من أصول يمنية ؛ والسوننكية المنحدرة من اصول مصرية حسب بعض المؤرخين.
كما بدأت محاربة العشائرية مبكرا خاصة على مستوى الرئيس المختار ولد داده ووزير دفاعه محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود ، فقد اكتتبوا أول دفعة للضباط من غير محيطهم الاجتماعي حيث انتقوا معلمين ليكون ضباطا ، شكل بعضهم فيما بعد قادة العاشر يوليو بعد أن مارسوا إقصاء أول ضابط في الجيش الموريتاني بعد تأسيسه في 25 نوفمبر 1960 ذلك هو امبارك ولد بون مختار وهو الوحيد من ضمن الخمسة الاوائل المنحدر من مدينة الرئيس المختار : بتلميت
وعلى الترتيب تم اكتتاب هؤلاء :
امبارك ولد بون مختار
فياه ولد المعيوف
المصطفى ولد محمد السالك
،أحمدو ولد عبد الله
حمود ولد الناجى
وتجنبا للبعد العشائري تم الاندماج الحزبي الأول في مؤتمر كيهيدى 1964 ولم يكن تحت ضغط المؤسسة العسكرية التي لما تبلغ الفطام بعد ..
ولكن مع تنامي الحركات الراديكالية – الكادحون الناصريون البعثيون – ضاق وعاء الحزب الواحد على التناقضات القائمة بين الجيل الماسك بالسلطة والخارج لتوه من رحم التجربة الليبرالية الفرنسية والمتشبع أيضا بالثقافة المحظرية ، وبين جيل تغذية الطموحات المنبعثة من التعلق بالقطيعة مع المستعمر الفرنسيمما غذى صراعا على السلطة ذي ملامح مدنية ، خرج منه الرىيس المختار ورفاقه مسرعين في ما يرون أنه الحل الأمثل وهو دخول الجامعة العربية والإسراع بخطوات التعريب . ثم تأميم المناجم ..
وهي أمور تشكل محل إجماع وطنى فى ذلك الوقت ..
لكن لا يبدو أنها كانت محل رضا الفرنسيين الذين ما لبثوا أن ارسلوا إلى المختار خطابا معدا يطلبون إلقاءه فى مناسبة رسمية ، الأمر الذى رفضه فكان إحدى النقاط التى ربما على اساسها انبنى العاشر يوليو، مع ما لسعي فرنسا للهروب من حرب الصحراء من تأثير على مسار ذلك الانقلاب الذي جاء ضد ديمقراطية تترنح إن لم تكن منعدَمة أصلا ! ولكنها مع ذلك تسير ولو بخطوات خجولة حيث انصهر معظم القوى السياسية في المجلس الاعلى للشباب..
وهو أيضا ليس من اجل ديمقراطية لا تشكل مطمحا لاعند الحرس القديم الذى يراها مطية للغزو العشائري للمدنية المتعثرة . ولا عند طلائع الراديكاليين المتأثرين بتكتلات دولية تحكم بمنطق غير التعددية ..
فلا العاشر يوليو ولواحقه إذا عملً من أجل الديمقراطية ولا هو عدوان عليها !
فهو فى نظرى إجراء تأديبي قامت به دولة عظمى ضد من كان يفترض أنه حليف وشق عصا الطاعة ، حين أمم مناجم الحديد ودخل الجامعة العربية ..
ذلك فى بُعده الخارجى…
وداخليا هو تخلٍ عن حرب قادها ضباط حديثو العهد بالمفهوم الجمعوي .. خرجوا لتوهم من جلباب القبيلة وليس لهم من تجربة وطن جامع ما يكفي لتحمل تبعات حرب توحيدية . قد نعدها أكبر من طموحاتهم . رغم ان خطاب المختار في اطار 1957 كان كافيا وكذا راي المحكمة الدولية المتعلق بالموضوع ..
بالإضافة إلى أن اتباع التقاليد الفرنسية فيما يتعلق بالانتقائية الطبقية فى مجتمع غير قبلى مثل فرنسا ، يتناقض مع خصوصيتنا كمجتمع قبلي.. الأمر الذى سيكون له فيما بعد أشد التأثير على هذه المؤسسة الوليدة ، من حيث التناطح القبلى الذى يدمر العقيدة العسكرية من أساسها .. والذي كان أحد أسباب تمرد 16 مارس
وهو التناطح الذي ساهمت فيه عدة عوامل أهمها
- غياب إرادة فكرية تؤطر للعمل
السياسى بعد تغييب المؤسسين مثل الرئيس المختار وبكار ولد احمدو مؤلف كتاب أضواء على موريتانيا الذى ساهم كثيرا فى التنظير للسياسة الموريتانية وأحمد باب مسكه ومحمد ولد الشيخ وزير الدفاع الأسبق الذى هو مؤسسي الجيش ..وغيرهم
- تغييب المؤسسين من معارضين
للمختار أيامَه ومعارضين لغيره ايامَ مابعده و إقصاء السياسيين الجدد من ناصريين وكادحين وبعثيين الذين أودعوا السجون وعذبوا الى حد القتل كما حدث في مواجهات مارس 1981 إثر انقلاب 16 مارس و1982 في الموجهات مع البعثيين ومارس 1984 مع الناصريين ا
تلك الاحداث التي شكلت أرضية ملائمة لواقع جعل السياسة الموريتانية تترنح تحت وطأة انسداد سياسي أهم ملامحه تصاعد نمو الحركات الراديكالية وإصرار فرنسا على وضع اليد أكثر على موريتانيا مما شكل ارضية ملائمة لانقلاب 12/12/198 الذى جعل من البلاد ساحة لصراع عدة قوى : ليس صندوق النقد الدولى أقلها أهمية ! ولا كذلك كان الفكر القبلى التصادمى شيئا ما.. بمنأى عنها !
وهذان الاتجاهان هما اللذان شكلا ملامح نظام الحزب الجمهورى الذى هو فى نسقه العام تحالف مصلحي بين الرجعية بشقيها : – صندوق النقد الدولى والفكر العشائر في جلباب حزبي ..
-القوميين ، و الميثاقيين من متطلعين إلى القبول بما تمليه المصلحة الوطنية وأقل ما يسعى اليه القوميون من مكاسب سياسية
أما الخاسر الوحيد فى هذا المسار فهو المؤسسة العسكرية نظرا لتناقض جلباب القبلىة مع عقيدة أي جيش جمهوري عموما
لقد كان نشر ثقافة الولاءات القبلية هو طابع المرحلة التي كانت وبالا على المؤسسة العسكرية على جميع المستويات فضاعت سمعتها نظرا لتَسترِ رواد الفساد من المسؤولين ” المدنيين ” تحت ستار الحكم العسكرى ..
فتم العبث بأملاك الدولة تحت عنوان الحكم العسكرى . كما تعرضت -أي- المؤسسة العسكرية لعدة صدامات نتيجة لنشر الثقافة العشائرية المتناقضة مع العقيدة العسكرية تتمثل فى تمرد الثامن يونيو 2003 وعانت من الحرمان الاقتصادي الذى عاناه غيرها ايضا اثر الاتفاقيات المجحفة ومصادرة أملاك الدولة..والحقيقة انها صودرت لصالح تجار تربطهم أحيانا علاقة قبلية بالرئيس وكان ذلك لمصلحة الهيئات المالية الدولية التى جلبت من رحم الدولة الموريتانية وزراء مالية ورؤساء وزراء ، رعوا مصالحه عن طريق تلك الاتفاقيات سواء فى حقبة تسعينيات القرن الماضى حيث تعاقب على قطاع المالية ولد ببكر و لمرابط سيد محمود ، أو فى حقبة أخرى حيث ولد اجاى.، او غيره فلا أحد يتنبأ بما ستؤول اليه الامور اذا تواصلت هذه الازدواجية : مدنيون ينفردون بتسيير الاقتصاد الذي هو أحد أهم دعائم الديمقراطية .. وتوصيف يكاد يكون محل إجماع بانفراد المؤسسة العسكرية بالشأن السياسى فى حين لا يوجد عسكري اشترى أو باع مرفقا عموميا. الكل هو بيد “مدنيين “مفترسين وليس للجيش إلا مضمون المثل الشعبى (الذيب الِّ مظنون اعليه الشبعَ هو ماه جابر شِ) ولايمكن ان يتواصل هذا السب والشتم للمؤسسة العسكرية . وإلا فلم يعد بامكان المواطنين الولوج الى هذا السلك الذى هو الضامن للديمقراطية !
فليجلس وزراء المالية على الحدود الموريتانية العريضة لبعض الوقت !
و ليحاسب كل من شغل منصب وزير المالية ابتداء من تاريخ الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي أواخر تسعينيات القرن الماضى.
وليكن من بين الحكومة وزير مالية او وزير اقتصاد عسكري لنقطع الشك باليقين حول من يستنزف خيراتنا .