ما إن أعلنت طوكيو عن تغيير كبير في استراتيجيتها الدفاعية ومضاعفة الانفاق الدفاعي ووضع قوات الدفاع الذاتي تحت قيادة واحدة، وجملة من التغييرات في مؤسستها العسكرية لم تشهد لها نظير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، حتى سارعت واشنطن لمباركة القرار الياباني ودعمه والتأكيد على التحالف الذي يجمع البلدين، وإن ذلك سيحمي النظام في المحيطين الهادئ والهندي كما جاء حسب التوصيف الأميركي .
الخطوة اليابانية هي جاءت بالطبع بعد مباحثات سابقة غير علنية جرت بين طوكيو وواشنطن، وبعد إعطاء الأخيرة الموافقة والضوء الاخضر جرى الاعلان عنها رسمياً ، وهذا لا يحتاج للكثير من الأدلة والبراهين ، فمن تابع كلمة رئيس الوزراء الياباني يدرك أن الخطوة أميركية بامتياز ، وإن واشنطن أطلقت رصاصة سياسية تحذيرية لبيجين من خلال ” المسدس ” الياباني ، فطوكيو التي بررت الخطوة بأنها نتيجة التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية والتهديد الذي تمثله على الأمن القومي الياباني ، وكذلك غزو روسيا لأوكرانيا وجملة المتغيرات الدولية التي تحصل ، لم تجد حرجاً من المجاهرة وعلى لسان رئيس الوزراء نفسه بأن بيجين هي التهديد الاستراتيجي الأول ، وعند هذه الجزئية تحديداً ، يمكن إدراك أن توافق الرؤى والتقييم السياسي بين طوكيو وواشنطن في تحديد التحدي الأول لهما وهي بيجين ، هو يقود بالضرورة إلى أن القرار الياباني لم يُكتب الا بالقلم الأميركي .
التأكيد الاميركي على أهمية التحالف مع اليابان لما تشكله الأخيرة من ثقل استراتيجي في منطقة آسيا ، هو يقودنا إلى تحالف كواد الذي جمع بين أمريكا واليابان والهند واستراليا في العام 2004 لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادئ، إذ عمل بايدن بعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة، على تجديده وتفعيله بعد أن بدأ يأخذ شكل التحالف العسكري وخاصة بعد التوتر والاشتباكات الحدودية بين الهند والصين في العام 2020 حيث قامت هذه الدول بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة في مالابار ، هنا يمكن القول إن توقيت الخطوة والقرار الياباني جاء لهدفين أميركيين اثنين :
– الرد على تصاعد اللهجة الصينية تجاه تايوان لجهة استخدام كافة الوسائل لإعادة أراض إلى الصين كما جاء في خطاب الرئيس الصيني أثناء معرض الصين للطيران والصناعات العسكرية ، بحيث تكون طوكيو رأس حربة قوي في أي صراع قادم غير مباشر, وعليه فإن كل الطموحات الصينية المستقبلية في آسيا ستصطدم بالعائق الياباني الذي سيتم تزويده من الآن فصاعداً بمختلف أنواع الدعم العسكري الأميركي.
– إعادة تمتين التحالفات ورسم ملامح وشكل جديد لها، للرد على محاولة بيجين توسيع نفوذها في آسيا وحتى في افريقيا من هنا جاءت القمة الأمريكية الافريقية للرد على قمة بيجين في الرياض، وكذلك يأت القرار الياباني لذات الهدف.
ليس صدفة أن تتزامن القمم الصينية والأمريكية، ولا من باب العرض العسكري فقط وتظهير الإمكانيات يتلازم توقيت افتتاح معرض الصين للطيران وماتم الكشف عنه من جيل جديد من الطائرات الصينية المقاتلة والمسيرات العابرة للقارات، مع ما كشفت عنه واشنطن من قاذفة استراتيجية جديدة يمكن تشغيلها بدون طاقم لتنفيذ ضربات نووية بعيدة المدى، فعندما تتكاثر كل مؤشرات صراع النفوذ وصور سباق التسلح غير المسبوق فاعلموا انها الحرب ياسادة، وأتمنى بالطبع أن أكون مخطئاً.