وخز…/ أروى محمد
بعد نوم مضطرب حلمت في ثناياه أني دخلت في ليلة حالكة الظلام منزلا مهجورا وبيدي هاتف ذو مصباح خافت الإنارة وما إن وصلت إلى باحة المنزل حتى داهمتني عقرب ذات سرعة شديدة وبت أطاردها بواحدة من نعالي، وبقيت نصف منتعلة- وهذا بديهي- فزاد ذلك هلعي، إذ تقترب العقرب أحيانا من رجلي ثم تدور بسرعتها الفائقة في الباحة..
أستجير بأمي من بعيد فتقول لي بجفاء: “عجبا! أنت لا تستطيعين قتل عقرب؟” وما من وقت لأفسر لها أي شيء..
وبعد صراع طويل أقتل العقرب وتنقذني بعدها يقظة رحيمة من هلع ما بعد الحادثة، فأقرر أن أسرد قصة حاولت صياغتها بطريقة أقل بشاعة من حقيقتها.. لمدة عشر حجج أقص، أشذب، بل أرمي أحيانا جزءا كاملا بكل ما فيه.
أنا ضحية من ضحايا الأخطاء الاجتماعية الجسيمة، أخطاء ذلك المجتمع الذي يقتل بدم بارد دوافع الشعور بالحياة وعيشها..
زوجني أهلي في مستهل مشواري الدراسي، ولئلا يكرر الجميع ببلاهة(سكوت البكر قبول) فقد بكيت عندما علمت -بهمسات وتمتمات وأسماء- أني خُطبت.. بكيت كثيرا وفي أوقات مختلفة، وقلت إني لا أريد هذا الرجل، لكن دون جدوى..
جرت الأمور بوتيرة سريعة، لأبدأ ذلك النوع من الحيوات القاتمة شديدة السواد.. ولا جرم أن تظلم حياة بدأت بإطفاء القناديل! ..
صرت أبكي الليل كله وأجادل بقواي الصغيرة حينها، ومع خيوط الفجر أبدأ التمثيل.. أتقنت اصطناع الابتسام، السعادة، فعندما يدور أي حديث من صديقاتي فيما يتعلق بزوجي أوهمهم بطريقة لا تحتمل الشك أني أحبه وأعيش معه بكل سعادة، وفي الليل أعود إلى عالم البؤس المصغر؛ بيتي..
دارت الأيام ومرت سنوات عجاف والحال على حاله، أشكو إلى أمي تارة فتقارنني بالأخريات وتقول إني إن كنت أظن أني أختلف عنهن في شيء فأنا واهمة..هنا لم يبق لي إلا خيار واحد، وهو أن أجرّ طرف تمثيلي على الليل، أن أبدأ دواما كاملا في التمثيل. وبالفعل بدأ هذا العمل الأليم، لكن الالتحاق بوظيفة جديدة لا يبطئ تسارع الدقائق والساعات.. وأظهرت هرولة الزمن هذه أن لاشيء من هذا يجدي نفعا،
فكرهت نفسي… ألست إلا بائعة هوى بطريقة شرعية؟..
الرجال أيضا يعانون بيمين أم أو وعيد أب بالهجران إن هم لم يتزوجوا بمن يمليها عليهم هذا الثنائي الذي يستعمل نفوذه الشرعي غالبا في أشياء كهذه، لكن الأمر هنا أقل خطرا.. عقد تمثيل لمدة شهور، ثم طلاق بعد اختلاق مشكلة كفيل بالخروج من السجون وكسب رضا السلاطين، وليس للإناث من فرص مشابهة..
لا أريد من مربَّع الوجه أو متربعته أن ي/تمده إلي قائلا/ة: هذا لم يعد موجودا، أقول وبمرارة التجربة أن ما بين 2010 و 2022 – إن لم يكن هذا التاريخ قديما- مليء بقصص مشابهة أدركت بعضها بصدق حدس التجربة وسمعت بأخرى بأكثر الطرق مصداقية وما خفي أعظم! وما لا تطاله علاقاتي وقصرت عنه أذنيّ كثير.
نسيت أن أكمل قصتي لمعرفتي بحجج بعض المتلقين الذين في الأغلب ربما عانوا أو شاهدوا مثل هذا الاستهتار بحياة الأفراد في هذا المجتمع، لكنهم يداهنون.
المهم أنني لم أخرج من مأساتي هذه إلا بمعية الله وسجادتي ودموعي..
الآن فقط أعتقد أن الحلم بدا أوضح بكثير مما كان عليه. لكن أليس من الأجدر أن يُردّ خطيب ما، أولا: من أجل الدخول في (رحم الله والدا أعان ولده على بره)، وثانيا لتجنب مصاعب نحن في غنى عنها، فإدخال شخص غير راغب- وربما في الأغلب ليس راشدا- في مساحة الحقوق والواجبات هذه قد يؤول إلى ما لا تحمد عقباه. ولتظل للأسرة قداستها ينبغي أن تبنى على الحب، فهي مسؤولية عظيمة وصعبة بحضوره، فكيف إذا غاب ؟