يؤثرون التواري عن بقع الضوء/ المرتضى محمد أشفاق
في بلادنا علماء كبار لا يقلون شأنا عن المرابط محمد سالم ولد عدود، والشيخ حمدن ولد التاه، والشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين، لكنهم مغمورون، لأنهم لم يظهروا في الإعلام، ولم يستفيدوا من دعايته، وترويجه..ولم يُسَمَّوا في وظائف حكومية؛ منتشرون في البوادي، والقرى البعيدة عن الأضواء، وفي المدن لكنهم يؤثرون التواري عن بقع الضوء، وعن النوادي، والندوات، وعن الرابطات، والاتحادات…
لا يحتاج علماؤنا الذين عددت إلى تلميع، ولا إلى إشهار..لأن كل وسائل تحسين الصورة لا ترقى إلى مستواهم، لكنهم استفادوا من الوظيفة والإعلام، فنفعوا الناس، وانتفعوا بها، روجهم الإعلام، وروجوه، وقدمهم للجمهور…لا ترتبط الشهرة عند الناس بالمستوى المعرفي وحده، بل بالقبول وهو منحة ربانية لا تفسير لها، من الخالق لمن يشاء من خلقه، وبطريقة تقديم المعلومة، وشرحها؛
لا يكفي أن تكون محيطا بجوانب المسألة كلها، دقيقها، وجليلها، متمكنا من لغة الإيصال، لتبلغ من الجمهور غاية الرضى، ومنتهى القبول..يحتاج العالم إلى حظ ولو يسيرا من طرافة تجفف عرق النكد، وتجلو عن الوجوه غبار الصبر على المتابعة والإصغاء، فهي له مثل مشهيات الطعام، ورب فضلة أنفع من عمدة…
الجمهور لا يصبر طويلا على الحديث الجاد، فالمتكلم الذي لا ينحرف عامدا عن جادة الموضوع انحرافا سلسا، يفتقد البعد التربوي في الإيصال…
يلجأ بعض العلماء إلى وسائل شد، واستقطاب، تارة بالطرفة المباشرة، فيستوي في الانتفاع بها الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وطورا بالنكتة الخفية، وهي موجهة إلى الخاصة، وأحيانا بالطرفة التي لا تُفهم إلا في سياق الإحالة، وهي موجهة إلى خاصة الخاصة…وقد يلجأ بعضنا إلى استعمال كلمات فرنسية لجمهور لا يفهمها، وفي مواضيع لا تحتاجها، وكشف معان ليس فيها مستغلق، في ما يمكن أن نسميه استعراض معارف، أو تلويحا بثراء ثقافي..ورأي العامة أنها جرعة خفيفة، وعابرة من(لِحْرِيقْ بقاف بقرة بالحسانية) قل أن ينجو منها إنسان مهما كان علمه وتواضعه..