نهاية التاريخ ليست امريكية ولا اسرائيلية/ زكي بني ارشيد
1 فبراير 2023، 10:10 صباحًا
مذكراته مدير المخابرات والخارجية الأميركية زمن ترامب، ( مايك بومبيو ) المعنونة بشعار: “لا تتنازل أبدا في الدفاع عن أمريكا التي أحبها”، أثارت جدلاً واسعاً وردود فعلٍ كبيرةً لأنها استبقت ومهدت للانتخابات الأميركية القادمة.
لماذا؟ وما هي أهمية الكتاب الذي يقع في 450 صفحة؟.
لأن أبرز ما يميز الكتاب هو وضوح الكاتب وصراحته في قراءته للواقع ورؤيته للمستقبل، ولانه يكشف عن حجم الانقسام غير المسبوق في الداخل الأميركي، ومدى الاستقطاب الافقي في المجتمع ، دون أن يخفي غضبه من وعلى ما سماه باليسار المتمكن في الحزب الديمقراطي، وتناقضه مع البرنامج الديمقراطي في عدة ملفات ذات تأثير على داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وأن الديالكتيك والتناقض المجتمعي لم يعد مقتصراً على النخب بعد أن تفشى الخلاف في المستوى الشعبي ليصل حسب وصف الكاتب إلى هوية الدولة الأميركية التي قامت على اسس الدين واللغة واللون، مشيراً إلى وزن التغير في الثقافة الأميركية المقدمة للأجيال القادمة في ظل العولمة التي يؤكد الكاتب مخاطرها على الدولة التي يحبها. الملحظ الآخر في أهمية المذكرات يكمن في أن الكاتب الموصوف بأنه طرف اليمين المحافظ والأكثر تشددا يرغب في الترشح لرئاسة الولايات الأميركية في العام القادم 2024 ما يعني أنه سينافس الرئيس السابق دونالد ترامب، في الانتخابات الأولية أو النهائية خروجاً عن المألوف والمعروف باقتصار التنافس الجاد بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مؤكداً أن ترشح ترامب من عدمه لن يؤثر في قراره.
ad
أكثر ما يلفت الإنتباه مقاربة الرجل لإدارة الشرق الأوسط وتحديداً بوضع اسس جديدة لإنهاء وليس إدارة الصراع العربي ” الإسرائيلي ” وهو الهدف الذي سعت لإنجازه الإدارات الأميركية جميعها، وتتلخص رؤية الرجل بإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة وإنهاء الصراع دون الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية ما يعني العودة بقوة إلى مشروع صفقة القرن والبحث عن مخارج فرعية وعند الحاجة إلى تعبيرات شكلية عن الوجود الفلسطيني، اقل من الحكم الذاتي وأقل من إدارة بلديات وعلى نحو مشروع روابط القرى الذي بدأته “اسرائيل” بعد هزيمة العرب عام 67، ولنجاح هذا المشروع تتصدر نظرية العدو البديل والتي تعني ببساطة بأن
” اسرائيل” ليست هي الخطر الذي يهدد الدول العربية إنما هي إيران والتطرف الإسلامي، هذه هي اهتمامات السياسية الأميركية في حال وصل الرجل إلى سدة البيت الأبيض.
موضوعات متعددة آثارها الكاتب وحظيت بردود فعل كبيرة، إذ أن وصفه للواقع العالمي حالياً بأنه عالم قاسي وشرير وموحش ليس من أجل تقديم البديل الأفضل وإنما من أجل التعامل مع هذا الواقع والتكييف مع توحشه بنفس أدوات السياسية الواقعية بمعناها البراغماتي الميكافيلي التي تبرر جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق شعار ( أميركا أولاً )!
هل سنكون أمام نسخة جديدة من الإدارة الأميركية الأكثر تطرفاً من اليمين الإسرائيلي؟. وهل سيشهد العالم فصولاً جديداً من صراع الحضارات؟ وتصادم الثقافات؟ لتحقيق نهاية التاريخ التي تقودها فكرة النبؤة والسياسة والكنيسة الإنجيلية اليمينة الأكثر تشدداً من نتنياهو؟
الكاتب اطلق النار باتجاهات متعددة ويدرك بأن ردود الفعل لن تكون سهلة ومن أجل ذلك بدأ بهجوم استباقي على الخصوم كجزء من حملته الانتخابية ويقول :
( لم أترك وسائل الإعلام تتنمر علي أبدا)
عن الكاتب والكتاب قالت صحيفة واشنطن بوست : بأنه ( شرير، ذو قدرة استثنائية على تسميم السياسة الأمريكية”. وأضاف الصحفي تيم وينر، الحائز على جائزة بوليتزر والذي علق قائلا: “الكراهية هي التي تحرك هذا الكتاب، إنه يحتوي على سم أكثر من ما في جعبة افعى الكوبرا”.
كما انتقدت نيكي هايلي، السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة والتي يتوقع أن تنافس بومبيو على بطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة في حال ترشحهما، ما وصفته “بالأكاذيب” لترويج الكتاب.
مقتطفات من الكتاب ذات دلالة،
ينقل بومبيو عن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي أنه كان يخشى قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني
وهو من اقترح تصفية سليماني باعتباره “هدفا عسكريا مشروعا” لاستهدافه الأمريكيين وحلفائهم،
ترامب طلب من الرئيس الفرنسي ماكرون التوقف عن محاولة الوساطة مع إيران حول الاتفاق النووي
ينقل الكاتب عن وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي عام 2014 انه – اي السيسي – سيترشح لانتخابات الرئاسة في مصر وأن مصر في زيارتهم القادمة ستكون برئاسته لتحقيق مصر المزدهرة اقتصاديا!!..
وطلب منه تسهيل صفقة شراء طائرات الأباتشي لمصر لمواجهة الإرهاب حسب وصف السيسي.
الخلاصة على الرغم من أهمية الكتاب وخطوة الكاتب الا ان الأهم ما نصنعه نحن بأيدينا ومن أجل مستقبلنا فنهاية التاريخ ليست أميركية ولا ” إسرائيلية” والعالم في طور جديد قيد التشكيل، وشبح أميركا المهيمن والمتفرد لم يعد كما كان سابقاً وامريكا التي لا زالت محتفظة بتصدرها بدأت رحلة التراجع من داخلها أولاً وتدافع اقطاب كونية جديدة نحو الصدارة ثانياً وعاشراً.