في اغلب الديموقراطيات عادة ما تكون نتائج الانتخابات عنوانا لمرحلة جديدة واضحة و مرحلة نحو تحالفات و مشاريع وطنية مشتركة تستجيب لاحتياجات و تطلعات الشعوب ..ولكن هذا ليس حالنا…في اول تعليق له على نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية اختار سعيد ان يتجه الى مقر الحكومة بالقصبة و كما في كل مرة لم يجنب خصومه الانتقادات الاذعة و الاتهامات ..و دعا الى قراءة عكسية لنتائج الانتخابات معتبرا أن احجام تسعين بالمائة من الناخبين عن التصويت ” سببه أن البرلمان لم يعد يعني لهم شيئا ” و هو ما يجعل سعيد في موقف مناقض للمسار الذي اطلقه و يواصل تنفيذه على ارض الواقع رغم العزوف الانتخابي و رغم كل الانتقادات التي رافقت هذا المسار حتى الان ..الارجح ان مفاجات سعيد لن تتوقف عند هذا الحد و ربما يعلن المزيد في قادم الايام في مواصلة تحويراته الوزارية التي لا تملك رئيسة الحكومة نجلاء بودن الا ان تنحني أمامها …
حدث ما سبق و حذر منه اغلب الملاحظين و المتتبعين لمسارالانتخابات التشريعية السابقة لاوانها و تكررت مهزلة المشاركة المتدنية في هذا السباق الانتخابي الذي اعرض عنه الناخبون لعدة اسباب كان لزاما على المهندس الاول لهذه العملية التوقف عندها جديا و لتداعيتها في الداخل و الخارج ايضا …و مهما اتجه المتفائلون بنتائج هذا السباق الانتخابي فانه لا يمكن طمس او انكار ما تكشفه لغة الارقام الاولية بشان مشاركة نحو 11.76 بالمائة من الناخبين ..صحيح ان من وضع القانون الانتخابي لم يحدد نسبة المشاركة لفرض مشروعية هذه الانتخابات و لكن الحقيقة ان مساوئ هذا القانون لا يمكن درؤها و لا يمكن ايضا للغة “أن عشرة بالمائة من المصوتين الوطنيين افضل من تسعين بالمائة من غير الوطنيين “حتى لا نقول غير ذلك لا يمكن الا ان تعمق الازمة و تعزز ازمة الثقة التي سيتعين الانتباه لها اجلا او عاجلا …
ad
بانتهاء الدورة الثانية من سباق الانتخابات التشريعية التي يفترض ان تنتهي معها اول المحطات في الخارطة السياسية التي وضعها الرئيس قيس سعيد و لكن ليس اخرها في انتظار العودة الى السباق التالي لانتخاب الغرفة الثانية و تنصيب البرلمان الجديد تبقى الازمة السياسية في البلاد قائمة و مرشحة على كل السيناروهات ..
و قد كان من الطبيعي ان يتركز الاهتمام بعد انتخابات الجولة الثانية اول امس الاحد على نسبة المشاركة الهزيلة في هذه الدورة بدلا من الحديث عن شكل و دور هذا البرلمان في غياب الاحزاب السياسية بما يجعل الصورة غامضة في مخيلة التونسي لعدة اسباب اولها و اهمها أن هذا المجلس سيكون مجلس المستقلين اوهذا على الاقل ما يبدو حتى الان بمعنى ان الفائزين في هذه الانتخابات لا تتوفر للتونسي القليل او الكثير بشأنهم باستثناء بعض الاسماء العائدة من المجلس السابق … أما كيف ستكون طبيعة التحالفات وعمل اللجان في هذا المجلس فهي مسألة معلقة و سيتعين اكتشافها بعد انطلاق اشغال هذا المجلس و معه اكتشاف الوجوه المكونة له و مدى قدرتها على التعاطي مع الازمة الخانقة في البلاد …و الخوف كل الخوف ان يتجه المشهد نحو صراع الشرعيات بين مجلس سابق يبحث عن العودة من بين الانقاض و مجلس قادم على وقع مسار 25 جويلية او ما بقي منه …المثير انه اذا كانت نتائج الدورة الاولى للانتخابات تزامنت مع تعليق صندوق النقد الدولي ملف تونس للحصول على قرض تحتاجه للخروج من الازمة الاقتصادية فان نتائج الدورة الثانية تاتي مع اعلان
وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني خفض التصنيف السيادي لتونس إلى الدرجة ما قبل الأخيرة (سي أ أ 2)، CAA2مع آفاق سلبية، و هو ما يعني ان تونس معرضة الى مخاطر عالية و انه سيتعين البحث عن موارد مالية للاوفاء بالتزاماتها في الداخل و الخارج ..الوكالة فسرت هذا القرار بعدم تعبئة تونس لتمويلات خارجية إلى ، لتلبية الحاجيات العاجلة للحكومة، من شأنه أن يرفع من مستوى مخاطر التعثر في سداد القروض الخارجية، واعتبرت أن عدم وضع البرنامج التمويلي لصندوق النقد الدولي حيز النفاذ يفاقم الوضعية الصعبة للمالية العمومية ويزيد من الضغوطات على احتياطي البلاد من النقد الخارجي…
في نهاية المطاف فشلنا و الفشل مشترك في تعبئة الموارد و فشلنا في تعبئة مكاتب الاقتراع و بات الغموض سيد المشهد في بلد يقطع خطوة اضافية نحوالمجهول ..