ھل تعطي المادة ٩٣ من الدستور حصانة لرئیس الجمھوریة تحول دون محاكمته من قبل القضاء العادي؟/ د. محمد ولد خباز
في یوم ٢٩ یولیو٢٠٢٠ صادقت الجمعیة الوطنیة على مقترح توصیة بإحالة ملفات لجنة التحقیق البرلمانیة غیر المتضمنة لما یمكن أن یدخل في مجال اختصاص محكمة العدل السامیة إلى وزیر العدل بھدف اتخاذ ما یلزم لتوجیھھا للجھات القضائیة المختصة. وقد أحال وزیر العدل الملفات إلى المدعي العام لدى المحكمة العلیا لیبدأ مسار التحقیق مع الرئیس الأسبق محمد ولد عبد العزیز مما أثار جدلا واسعا حول الجھات المختصة في المتابعة والتحقیق والمحاكمة عند الاقتضاء.
تجدر الإشارة ھنا إلى ان المسؤولیة الجنائیة لرئیس الجمھوریة حددتھا المادة ٩٣ من الدستور التي نصت على أن رئیس الجمھوریة لا یكون مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسته سلطاته إلا في حالة الخیانة العظمى.
وقد حدد الدستور ھذه الصلاحیات، فرئیس الجمھوریة ھو حامي الدستور، ومجسد للدولة وضامن للسیر المطرد والمنتظم للسلطات العمومیة، والضامن للاستقلال الوطني ولحوزة الأراضي، ویمارس السلطة التنفیذیة، و یعین الوزیر الأول وباقتراح منه یعین الوزراء و یقیلھم و یترأس مجلس الوزراء، ویحدد السیاسة الخارجیة والأمنیة والدفاعیة ویسھر على تطبیقھا، ویعین في الوظائف المدنیة والعسكریة، وله أن یحل الجمعیة الوطنیة بعد التشاور مع الوزیر الأول ورئیس الجمعیة الوطنیة، ویصدر القوانین ویوقع المراسیم ذات الصبغة التنظیمیة، وھو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ویعتمد السفراء والمبعوثین فوق العادة إلى الدول الأجنبیة، ویعتمد لدیه السفراء والمبعوثین فوق العادة، ویمضي المعاھدات ویصدقھا، ویمارس حق العفو وحق تخفیض العقوبات أو استبدالھا ویستشیر الشعب عن طریق الاستفتاء وله الحق في إعلان حالة الاستثناء حسب بعض الشروط، ویعلن حالة الطوارئ وحالة الحصار، ویترأس المجلس الأعلى للقضاء.
ھذه هي أھم صلاحیات رئیس الجمھوریة التي تشیر إلیھا المادة ٩٣، وفي حالة الإخلال بھا حدد الدستور جھة الاتھام والجھة القضائیة لمحاكمته. فجھة الإتھام ھي الجمعیة الوطنیة التي تبت عن طریق الإقتراع العلني وبالأغلبیة المطلقة لأعضائھا، وجھة المحاكمة ھي المحكمة السامیة للعدل.
وقد بینت في حوار سابق مع الأخ الدكتور سیدي محمد ولد سید أب على قناة البرلمانیة وضعیة ھذه المؤسسة من حیث تشكیلتھا واختصاصاتھا في دساتیر ١٩٥٩، ١٩٦١ و١٩٩١ وأوضحت أنھا ھي الجھة المختصة في محاكمة رئیس الجمھوریة عندما یتعلق الأمر باتھام الخیانة العظمى على أساس تجاوز الصلاحیات التي عددنا أعلاه.
ولكن ما ھو الأساس القانوني لما أوصت به لجنة التحقیق البرلمانیة وصوتت علیه الجمعیة الوطنیة بالأغلبیة الساحقة لأعضائھا من إحالة الملفات للقضاء العادي؟ إن الأعمال التي تتم بمناسبة ممارسة رئیس الجمھوریة لوظیفته الرئاسیة قد تكون غایتھا خصوصیة، وفي ھذه الحالة قد تشكل مخالفات جنائیة یعاقب علیھا القانون.
وقد أوجدت محكمة النقض في فرنسا في حكم صادر عنھا بتاریخ ١٠ اكتوبر ٢٠٠١ مصطلح “الأعمال المنفصلة” لرئیس الجمھوریة التي تدخل في اختصاص القضاء العادي، منھیة بذلك نقاشا طویلا بین القانونیين والسیاسیین في ظل الجمھوریة الخامسة خاصة في عھد جیسكار دیستان وشیراك وساركوزي، انتھى بتعدیل المادة ٦٧ من الدستور الفرنسي سنة ٢٠٠٧ بإيجاد وضع قانوني جدید لرئیس الجمھوریة أصبح فیه غیر مسؤول سیاسیا ولا جنائیا طیلة فترة مأموریته مع إمكانیة متابعته
شھرا من انتھاء تلك المأموریة من طرف القضاء العادي.
وقد أسس القانون الموریتاني لھذه الوضعیة من خلال المادة ٧٩ من الدستور واتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المصادق علیھا من طرف بلادنا والمادة ٢٧ من القانون التنظیمي المتعلق بمحكمة العدل السامیة.
وبتقریب النصوص والربط بینھا یظھر أن المادة ٧٩ من الدستور التي نصت على إمكانیة تعدیل الدستور في حالة تعارض بینه ومقتضیات معاھدة دولیة ترتبط بھا موریتانیا لتتوافق مقتضیات الدستور مع تلك المعاھدة، یكون المشرع الموریتاني أخذ برأي مدرسة وحدة القانون أي بأحادیة القانون الدولي والقانون الداخلي مع سمو الأول في حالة تعارض بینھما. وتكون اتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت لھا بلادنا في ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٦ أصبحت جزءا من منظومتنا القانونیة. لقد نصت اتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على معاقبة الأفعال التي یقوم بھا كافة المواطنین الذین ھم في وظائف وطنیة او دولیة مثل اختلاس المال العام او استغلال الوظیفة والمتاجرة بالنفوذ والإثراء غیر المشروع والرشوة وإخفاء الأصول غیر المشروعة أو عرقلة سیر العدالة (المواد ١٥-٤٤). كما نصت على استرداد الموجودات وتعقب وتجمید ومصادرة وإعادة الأموال لتي تم الحصول علیھا من خلال الأنشطة الفاسدة (المواد ٥١-٥٩).
وتطبیقا للإتفاقیة أصدرت بلادنا قانون مكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد بتاریخ ١٥ ابریل ٢٠١٦ وتضمن أھم ما ورد في الإتفاقیة وأحال إلى ھیئات لمكافحة ھذه الجرائم منھا محكمة الحسابات والمفتشیة العامة للدولة وأنشأ میكانيزمات منھا شرطة مكافحة الجرائم والمحكمة الإبتدائیة الخاصة بالجرائم المرتبطة بالفساد.
ومن جھة أخرى نصت المادة ٢٧ من القانون التنظیمي رقم ٠٣٠/٢٠٢٠ المعدل والمكمل للقانون رقم ٠٢١/٢٠٠٨ بتاریخ ٣٠ ابریل ٢٠٠٨ المتعلق بمحكمة العدل السامیة في صیغته لسنة ٢٠٠٨ وصیغته الحالیة أن “دعوى القیام بالحق المدني غیر مقبولة أمام محكمة العدل السامیة وأن دعوى التعویض المترتبة على الجنح والجنایات المتابعة أمام محكمة
العدل السامیة لا یمكن النظر فیھا إلا أمام محاكم القضاء العادي.'”
ومما لا شك فیه أن الاعمال المجرمة التي لا تدخل في صلاحیات رئیس الجمھوریة التي عددنا أعلاه یمكن ان تدخل في اختصاص القضاء العادي، وعلیه فإن ما یمكن وصف ب “الأعمال المنفصلة” عن الوظائف الرئاسیة الدستوریة غیر محصنة بالمادة ٩٣ من الدستور.
د. محمد ولد خباز أستاذ القانون الدستوري بجامعة نواكشوط