هؤلاء في قفص الاتّهام.. والتحرير العربي رهن بتحرير فلسطين وحماية ثورة الشعب الفلسطيني فيه الحل للجميع فكيف نحميها؟/ فؤاد البطاينة
8 فبراير 2023، 11:31 صباحًا
بعيدا عن العواطف ونقع الخيل، إن ما يجري في فلسطين أكبر وأعمق مما تتعامل معه الساحة العربية وردود فعلها .الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يتعرض اليوم لحرب على الأبواب مباشرة بطرق وأشكال ارهابية وقسرية وبقوانين احتلال تؤدي الى ما أدت اليه جرائم إرهاب ما أسميناه بنكبة فلسطين التي استُخدمت لاحتلال الأرض وتهجير سكانها . وهذه الحرب المزمعة هي من خلال ما يمكن تسميته بالسيناريو “ب” لتنفيذ مخطط واحد لا خلاف عليه بين المتصارعين على الحكم في تل أبيب، وهو التخلص من ديموغرافيا الضفة الغربية بطريقة بديلة عن سيناريو صفقة القرن المتمثل بالخيار الأردني الفاضح للنظام والمرفوض من قبله لعلمه بأنه خيار سيعرض النظام للسقوط، واستعداده لتقبل البديل له.
فهذا السيناريو الذي وضعه الإحتلال على طاولة التنفيذ في ضوء مناورات النظام الأردني واستعداده للصمت عليه ما كان له أن يُعتمد إلّا بعد إذلال وابتزاز عباس بتحريك منافسيه عليه، وبعد تدجين المقاومة الغزية سياسياً وعزلها عن بعضها وعن ساحة الضفة الغربية ، فالإسلام السياسي أخذ من المقاومة الغزية كل مأخذ وأصبح مشروع الحكم عند حماس يتقدم على مشروع المقاومة التحريرية وهذا يتطابق مع الرؤية الإسرائيلية في حكم فلسطيني ذاتي في غزة . إلّا أن الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال في الضفة وباقي الأراضي المحتلة الذي ضاق ذرعا بالإنقسام الفلسطيني وبسلطة عباس وأجهزته، وبتعاظم شعوره بخذلان العرب وتواطؤهم وبخذلان المقاومة الغزية يجد نفسه في مواجهة على ثلاث جبهات مع جيش الإحتلال ومستوطنيه ورجال سلطة أوسلو.
السؤال ماذا عسى أحرار فلسطينيين فاعلين وهم منقسمين بلا مشروع سياسي موحد وبمقاومة غزية غير موحدة وتخضع للتدجين السياسي، ومحيطهم العربي أداة صهيونية تُستخدم ضدهم، بينما كيان الإحتلال في هذا المشهد يعمل وينجز على الأرض وبيده قوة عسكرية وسياسة غاشمتين مع صمت دولي، هذا مأزق لا يمكن التكيف معه، ويستوجب الخروج منه.. ليبقى أمامنا حركة المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، وما يبشر بخير أن الإسلام السياسي القائم في غزة غير معكوس فيها.
ad
ومن الواقع على الأرض نقول، بأن الوجود الشعبي الفلسطيني الغزير وصموده في الضفة الفلسطينية أصبح وحده العقبة أمام “إسرائيل” لاستكمال احتلالها وضم الأرض وطوي ملفات القضية وتصفيتها خارج فلسطين ومع أن تشكل المقاومة الشعبية في مدن الضفة كان قد ابتدأ على نية الدعم والمشاركة والتوحد مع المقاومة الغزية إلّا أن هذه المقاومة أصبحت اليوم وحدها في الميدان ولكنها ثورة شعب تحت الإحتلال. فهل هي الأكثر تأثيراً وفيها الحل؟، سيما حين أخذت تشكيلاتها زمام المبادرة في مواجهة الإحتلال، وحين لجأ لجانبها الشباب لمبادرات فردية في عمليات بطولية خارقة هزت مجتمع المستوطنين وحكوماته واستطاعت إرعاب المطبعين وتحريك العالم وجعل القضية حية على الأجندة الدولية.
إنها الأخطر على الكيان وعلى سلطة أوسلو ونهجها الخياني وإسقاطاً لشرعيتها وتمثيلها المزور للشعب الفلسطيني وقضيته، وثورة على الإحتلال وصفقة القرن والأكثر احراجاً للدول الصامتة أو المؤيدة للإحتلال بل وإحراجاً لحماس ومراميها السياسية ولكل الفصائل المنضوية تحت جناح أوسلو باسم مزور هو منظمة التحرير. إنها رهان الشعب الفلسطيني والتحدي الأكبر أمام سلطة الإحتلال وأنظمة التطبيع العربي. وسلطة الإحتلال تدرك بأن هذه المقاومة الشعبية في الضفة ستصبح وبالاً سياسيا وإعلاميا عليها وعلى احتلالها ومشاريعها وعلى استقرار مستوطنيها.
ومن هنا فإن إحباط هذه الثورة هو على رأس أولويات الكيان الذي يفكر بأكثر من وسيلة للتخلص منها ويلوح بالأفق اثنتان، الأولى استخدام وتسخير المستوطنين للقيام بمواجهة ثورة الشباب نيابة عنها لتضليل الرأي العام وتصوير المسألة على أنها أحداث بين طرفين “غير حكوميين”، أما الثانية فهي استخدام سلطة أوسلو لهذه المهمة القذرة سيما وأنها مقاومة في ساحتها الجغرافية وتهدد وجودها، مما يمهد لتصبح محلاً جديداً لمقايضات السلطة وأنظمة التطبيع. ولا أرى طريقة لدعم ثورة الشباب هذه وحمايتها أفضل من أن ينبثق عنها انتفاضة شعبية متطورة عن الإنتفاضة الأولى بإسناد شعبي عربي.
وفي صلب السياق أقول، لدينا حقيقة جرمية هي أم كوارثنا، وعلى مطايا أنظمة التطبيع العربي المجندين إدراكها ،وهي أن اسرائيل تسخرهم في شن حرب إنهاكية مستمرة على دولهم وشعوبهم لتدمرها اقتصاديا ومالياً وتخضعها سياسياً وعسكرياً وتسخر وتجيِّر كل هذا للحرب على الشعب الفلسطيني وعلى كل تفصيلات قضيته . وكان من المستحيل على “إسرائيل “بدونهم أن تحلم بفعل ما تفعله وتصبح هي من تتحكم بقرارات الدول العربية، وأن توغل في احتلالها وتستفرد بالفلسطينيين تحت الإحتلال بثقلها العسكري وتجعل من قتلها الميداني للشباب صيداً حلالاً ،ومن تشريد العائلات وتنفيذ برامج الضم والتوسع سياسة ثابته. هؤلاء المتعاونون والعملاء تحت عنوان زائف هو التطبيع هم في قفص الإتهام وسيكونون من أذل ضحايا أدوارهم والعبرة لمن اتعظ.
نعم كانت الشعوب العربية بأقطارها مصيبة حين رفعت مُبكراً شعار، تحرير فلسطين يبدأ من العواصم العربية “كحقيقة كان علينا التمسك بها والعمل بموجبها. ولكنا كشعوب عربية لم نكن نحسب نتائج إهمالنا لهذا الشعار وارتدادها علينا وعلى أقطارنا تحت قصف الإقليمية إلى أن وصلنا إلى حقيقة جديدة تؤكد الارتباط العضوي المتبادل بين القضية الفلسطينية والدول العربية وشعوبها، وتمثلت هذه الحقيقة الجديدة بشعار، تحرير الدول العربية يبدأ بتحرير فلسطين”، وعلى شعوبنا أن لا تكرر الخطأ بإهمالها للحقيقة الجديدة وشعارها وإلّا فالثالثة ستكون طرح أمة في مزبلة الأمم لقرون قادمة.
فمفتاح النجاة للشعوب العربية انتقل من عواصمها إلى فلسطين ويقتضي بالضرورة أن تواجه شعوبنا مشاكلها الداخلية في مكانها الصحيح ومنبعها في فلسطين حيث الاحتلال والمشروع الصهيوني، لمواجهة السرطان الصهيوني كشركاء أصليين للشعب الفلسطيني في مقاومته او ثورته الشعبية ضد الإحتلال حيث بالمنطق العلمي وكشرط لبقاء الاحتلال لا يمكن أن يُترك قطر عربي واحد بخير، ولا لشعبه أن يتوقع غير تعميق معاناته وإذلاله ما دامت فلسطين مستهدفة وما دامت “إسرائيل” قائمة، ولا لزعيم نظام مطبع أو متعاون أن يتوقع إلّا مصيراً أسوداً على يد مُستخدميه.