ما هي الدول العربية الثلاث الصاعدة.. ولماذا نراهن على الجزائر؟/ سمير الحباشنة
14 فبراير 2023، 00:00 صباحًا
درجت الأقلام العربية على تناول السلبيات في حالتنا العامه، لذا سوف اتوقف بثلاث مقالات عند الجزء الملآن من الكأس، بقراءة ثلاث تجارب عربية واعده، المملكة العربية السعودية، الجزائر، وقطر….
لعل وعسى أن تنتهي مرحلة الانكفاء العربي.. نحو النهوض.
والله ومصلحة العرب من وراء القصد
(1)
قراءة في المشهد الجزائري الراهن
-1-
في أواسط السبعينات، وكنت طالباً جامعياً في جامعة بغداد “الرشيد” تنبأ أستاذنا المرموق المرحوم لمادة الاقتصاد جميل بوداغ، بأن كل من العراق والجزائر في نهاية القرن العشرين، دولتان سوف تغادران منطقة العالم الثالث، لتلتحقان باقتصادات الدول المتقدمة. وكان لهذا التنبؤ آنذاك أسبابه الموضوعية على أرض الواقع، فهذان البلدان يتمتعان بكل الشروط اللازمة لإحداث ذلك التقدم، بما فيها توفر القوى البشرية العلمية المؤهله، والثروات الطبيعية، وتبنيهما لخطط وطنية عملية وواقعية للنهوض.
-2-
فالجزائر في حقبة بن بلة القصيرة، وما تلاها في زمن الرئيس هواري بومدين كان لديها مشروعها الوطني، بدأت في بناء قاعدة صناعية رمزها “سونطراك” و زراعية عملاقة، بما فيها الجدار الأخضر بطول 1700 كيلو متر وبعرض 400 كيلومتر لوقف زحف الصحراء. والجزائر كانت ذات مكانة خاصة في حياتنا العربية، تقف بقوة إلى جانب الحق الفلسطيني، ولها من الفضائل الكثير على حروب العرب مع إسرائيل سواء بالدعم العسكري المباشر على جبهات القتال ، أو بتسليح الجيشين العربيين المصري والسوري، سواء مع ما بعد هزيمة 76 أو في التحضير إلى حرب 73، وذلك بتأمين مبالغ مالية كبرى للتسليح ، دون أن ننسى موقف الجزائر المشرف إبان الحصار على العراق الشقيق.
-3-
ومع الأسف، فقد ابتلي هذان البلدان بما أعاق تحقق نبوءة أستاذنا المحترم، ولأن الحديث مقتصر على الجزائر فإن عجلة التقدم قد توقفت، بالرحيل المبكر للزعيم الوطني والعربي الكبير هواري بومدين، حيث تكالبت عوامل سلبية عديدة لسنا بصددها، توجت بتلك الحرب اللعينة التي امتدت طوال عقد التسعينات من القرن الماضي، حرب خاضتها الجزائر ضد الإرهاب استنزفت جل الإمكانات الوطنية المادية والبشرية، فأوقفت طموح الجزائريين وطموحنا كعرب أن نرى الجزائر دولة متقدمة.
-4-
إلا أن الجزائر مع بداية هذا القرن تمكنت من إنهاء تلك الحرب وعقد مصالحات ووئام وطني، ما أهلها لاستئناف مسيرتها وإعادة الأمور نسبيا إلى مسارها المأمول. وقد كان لثورتها الشعبية الكبرى السلمية الدور الكبير، الذي آذن ببدء مرحلة جديدة يعيش الجزائريون بها، ملؤها الأمل واستئناف مسيرة العطاء والتقدم، وذلك التماهي الكبير ما بعد الثورة ما بين الشعب وقيادته برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون
إن الفترة الراهنة التي يقودها الرئيس تبون، تعيد الجزائر إلى مكانتها التي تستحق وطنيا وعربيا ودوليا، فعلى الصعيد الداخلي يتم وبقوة استئصال آفة الفساد وضربه في معاقله بإعادة المليارات المنهوبة التي أخذت على غير وجه حق ولا زالت، وكما يقول الرئيس تبون، حملة مكافحة الفساد مستمرة.
وقد استمعت مؤخرا إلى الرئيس الجزائري وهو يعرض لما تم في العام المنصرم من إنجازات اقتصادية بالقول “أن صادرات الجزائر قد ارتفعت بنسبة 30% ، كما أن الاستيراد قد انخفض كذلك بالنسبة ذاتها” في خطة من شأنها تعظيم الناتج الوطني الإجمالي والاعتماد على الصناعة والزراعة الوطنية لتلبية احتياجات المواطنين الجزائريين، الأمر الذي سوف يترتب عليه بالضرورة توليد ملايين فرص العمل وحل مشكلة البطالة باعتبارها السبيل الأهم في مكافحة الفقر، واليوم فأن الجزائر تعيش حالة من الأمن والاستقرار وهو العامل الأهم على طريق إحداث التقدم المنشود.
-5-
وعلى صعيد آخر، فالجزائر تشغل وبقوة مكانة بارزة في المشهدين العربي والفلسطيني، خصوصا بعد طرح مبادرتها لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي نأمل أن يستكمل وأن يستجيب الإخوة الفلسطينيين لمساعي الجزائر النزيهة، ذلك أن الانقسام الفلسطيني هو المعيق الأكبر أمام وحدة الكفاح وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه الوطنية.
وإن قمة الجزائر وما تبنت من أهداف لتنسيق السياسات العربية، وربط الاقتصادات العربية بعضها ببعض نحو قيام إقليم اقتصادي واجتماعي وثقافي عربي واحد إن هي إلا ما يتطلع له كل مواطن على امتداد وطننا الكبير.
يترافق ذلك مع سياسة دولية تنحوها الجزائر، مادتها الرئيسية الاستقلال والاعتدال والتعامل مع الآخر بقدر احترامه للمتطلبات الوطنية للجزائر ومدى قربه أو بعده من قضايانا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما لا بد من تثمين الموقف المعتدل تجاه الأزمة الأوكرانية دون الاصطفاف إلى أي من أطراف الصراع، بل والسعي إلى وقف هذه الحرب.
-6-
وبعد، الجزائر اليوم رقم صعب ايجابي في حياتنا العربية، حيث نتطلع أن تلعب الجزائر مع القوى العربية ذات المكانة الهامة والمؤثرة، دوراً في حل قضايانا العالقة في ليبيا وسوريا واليمن. فلا يجوز أن تبقى هذه الدول وما ابتليت به من كوارث، عرضة للاستغلال بحيث تستخدم كأوراق لقوى إقليمية دولية في مواجهة بعضها البعض.
وإني أراهن أن نبوءة أستاذنا سوف تأخذ طريقها للتحقق وإن اختلفت المواقيت.