السعودية عالقة بين سقف صنعاء المرتفع وتطرف واشنطن في التمسك بالحصول على تنازلات/ طالب الحسني
17 فبراير 2023، 00:00 صباحًا
منذ أكثر من عام تجد السعودية صعوبة بالغة في الخروج من الحرب المكلفة في اليمن مع استمرار تباين خارطتها للانسحاب مع ما ترسمه الولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض .
فعلى الرغم من تلاقي الرغبة الأمريكية في تجميد الحرب وضمان استمرار تدفق الطاقة الخليجية التقليدية بالحاجة السعودية الاماراتية المشتركة في التهدئة ، إلا أن رؤية الطرفان للخروج من الصراع ليست متشابهة ، بل تبدو متباعدة إلى حد كبير .
الهدنة الطويلة وحالة اللاحرب واللاسلم ، جعلت الرياض وأبوظبي يدركان القيمة الفعلية من البقاء خارج التهديد التي تمثله اليمن ، بالتالي مزيد من الارباح الاقتصادية التي من شأنها أن تعوض خسائر السنوات السبع الماضية ، فحسب توقعات تتعلق بالإنفاق العسكري السعودي والاماراتي في حرب اليمن ، فان البلدين وفرا مليارات الدولارات خلال عام مع ارتفاع أسعار الوقود ، هذا العامل الاقتصادي وحده مشجع ، إضافة إلى عوامل أخرى بينها اليقين بأن الحرب لا تسير في الاتجاه الصحيح على الأقل لجهة الطموح الذي كان مرجو عند بدء الحرب في العام 2015
لن أتطرق إلى المستجدات التي طرأت في سلوك الرياض تجاه صنعاء خلال عام من بينها تبادل ( وفود تفاوضية مباشرة ) فهذا مبحث مستقل ـ اذ أنني سأركز في هذه ” الدراسة ” حول عدم قدرة السعودية على تقديم تصور للخروج من الحرب يرضي واشنطن وصنعاء على حد سواء ، خاصة أنها واقعة بين مسارين متضادين تماما ، سقف صنعاء المرتفع ، وتمسك واشنطن المتطرف بالحصول على تنازلات لصالح الأطراف المحلية اليمنية الموالية للتحالف من ضمنها السماح بتصدير النفط من موانئ حضرموت وشبوة شرق جنوب اليمن وعدم تعرض صنعاء للشركات والسفن التي تنفذ عملية التصدير ، وهي إحدى النقاط الجدلية في عدم تمديد الهدنة رسميا رغم سريانها دون اتفاق .
التباين السعودي والامريكي برز عمليا منذ 5 ـأشهر ، فالرياض ترسل وفود ” سرية ” إلى صنعاء وتعرض تسهيلات وتفكيك أوسع للحصار دون ان تضع شروطا أكثر من وقف العمليات العسكرية بين الطرفين ، والحفاظ على سرية الاتفاق ، بينما تشترط الولايات المتحدة الامريكية حصول ” حكومة العليمي ” على عائدات النفط وإسنادها تسليم رواتب الموظفين بكشوفات وميزانية 2014 وهذا يعني استمرار بقاء الحصار الاقتصادي المفروض على حكومة صنعاء ، مقابل توسيع الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء الدولي وتوسيع عداد السفن التي تصل موانئ الحديدة غرب اليمن .
وبين الرؤيتين السعودية والامريكية تسير المفاوضات التي تتوسط فيها سلطنة عمان بخطوات بطيئة وتستنزف الوقت فيما تسميها بناء الثقة التي تقسمها إلى مراحل ، على ان هذه تجري دون ضمانات وتتعلق فقط وفقط بتمديد الهدنة لستة أشهر إضافية وربما حتى نهاية العام الجاري 2023 ـ
في الحالات الثلاث ، تقطف صنعاء مزيد من الثمار ، فهي تفكك الحصار ، المعركة التي تجد أنها الأكثر أهمية وتعقيدا وهي أيضا تثبت سياسيا أنها الأقدر على ادارة الدولة وانتزاع السيادة وتحقيق الندية وبالتالي تستقطب مزيد من العائدين من معسكر التحالف ، وعلاوة على ذلك تستعد عسكريا مستفيدة من الوقت في ظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى .
ما يزيد هذه الثمار التي تقطفها صنعاء نضوجا ، ان واقع أدوات التحالف السعودي الأمريكي الأكثر بؤسا منذ بدء الحرب ، فإلى جانب الصراع والتباين والانقسامات المستمرة ، وهو الداء التي اصيبت به منذ سنوات ، هي أيضا أشبه بالمحاصرة اقتصاديا منذ ان قطع عنها واردات النفط والغاز بسبب منع أعلنت صنعاء استهداف اي شركة او سفينة تقترب من موانئ حضرموت وشبوة النفطية كجزء من أوراق الضغط القوية التي فرضتها منذ ما يقرب من نصف عام، وقد أشرت إلى ذلك آنفا ، وللمقالة بقية تتعلق بالخيارات المنعدمة أمام السعودية للخروج من الحرب بخارطة طريق تلبي صنعاء وتتوافق مع الرؤية الأمريكية للسلام في اليمن .