الهند تترأس مجموعة العشرين والحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الثاني/ الدكتور وائل عواد
26 فبراير 2023، 12:12 مساءً
تتراس الهند حاليا” مجموعة دول العشرين بعد اندونيسيا ،ووضعت برنامجا” مكثفا” للتوصل إلى موقف مشترك حول العديد من القضايا التي تهم المجتمع الدولي ومن بينها وقف النزاعات الاقليمية والاصلاحات المالية والسياسية الدولية ومعالجة قضايا المناخ وغيرها.
يزداد القلق الهندي ، مع احتدام المعارك ودخول الحرب الروسية الاوكرانية عامها الثاني، ولا يبدو هناك أي بوادر انفراج قريب تلوح في الأفق، خاصة وأن الولايات المتحدة تعهدت بدعم أوكرانيا وأعضاء حلف ناتو يغرقون كييف بالاسلحة والعتاد لمّد أمد الحرب الدائرة هناك لاستنزاف قدرات روسيا العسكرية والاقتصادية والسياسية وبالتالي زيادة عزلتها الدولية وإضعاف حلفائها الذي فشلت فيه لحد كبير .لكن هذه الاجراءات الأمريكية الغربية سوف تزيد من غضب روسيا وتقوم بتوسيع رقعة الحرب في أوكرانيا، بدلا” من البحث عن حل سياسي الأمر الذي يهدد الامن والسلم العالميين . وامتنعت الهند عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الأمم المتحدة بشأن أوكرانيا وشددت على ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية.وكان الموقف الهندي منذ البداية إلى جانب الحوار والسلام والحوار وان العصر الحديث ليس للحروب واحتلال أراض بالقوة.
تدرس الهند بدورها ، مبادرة بناءة لانهاء الحرب ولاترغب خلال ترأسها لمجموعة العشرين من أن تتخذ دول المجموعة أي قرارات جديدة لزيادة العقوبات التجارية والاقتصادية على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية ،لأنها تعتبر أن العقوبات المفروضة حاليا” لها آثار سلبية على العالم. لكن الولايات المتحدة وحلفائها سوف يزيدون من الضغوط على الدول والشركات التي تتعامل مع روسيا الأمر الذي سيزيد من الطين بلة خاصة في الوقت الذي لم يتعافى فيه العالم بعد، من جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
خيارات الهند المحدودة
ومع ذلك يعتقد البعض أن الموقف الهندي لم يعد متمسكا” بوجهة النظر الروسية تجاه الحرب الروسية الاوكرانية ، ويبدو أن التغيير التدريجي في الموقف الهندي بدأ ينساب داخل أروقة صناع القرار في العاصمة الهندية دلهي، بعد أن كثفت فيه واشنطن وعدة عواصم غربية من جهودها لتغيير رأي العام الهندي وممارسة الضغوط على نيودلهي لتنأى بنفسها عن موسكو . ولم تنفع البروباغندا الأمريكية في تغيير الموقف الهندي حتى الآن على الرغم مما روجت له إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإقناع العالم بأن الحرب بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية متجاهلا” التدخل الامريكي الغربي في الشان الأوكراني لأكثر من عقد من الزمن .
جاء الموقف الهندي حياديا”، اعتبرته واشنطن وحلفائها مواليا” لموسكو بسبب العلاقات الطويلة الامد بين الهند وروسيا التي ورثت عن الاتحاد السوفييتي ارثا” غنيا” من العلاقات المتينة مع دلهي خاصة خلال حقبة الحرب الباردة،عندما كانت الولايات المتحدة تمتنع عن مد الهند بالاسلحة والعتاد الامريكي ، الأمر الذي دفع بالهند للاعتماد على السلاح الروسي لعقود من الزمن .
دأبت الهند منذ بداية الحرب في البحث عن حل سلمي لإيقاف الحرب وكثفت من نشاطاتها الدبلوماسية .لكنها بذات الآن، استفادت من الضغوط الاقتصادية الغربية على روسيا وحظر استيراد النفط والغاز الروسيين لتزيد الهند من استيراد النفط الروسي الرخيص وتلبية حاجياتها، على الرغم من امتعاض الولايات المتحدة والدول الغربية . وبرزت الهند مثل الصين كأكبر مستهلك للنفط الروسي ، وزادت من واردتها من النفط الروسي خلال الشهر الماضي كانون الثاني يناير رقما قياسيا قدره 1.4 مليون برميل يوميا أي بزيادة أكثر من 9% عن شهر ديسمبر كانون الأول. وكذلك ارتفعت واردات الهند من الفحم الحراري وبالتالي يصعب على الحكومة الهندية تجاهل هذه الواردات الرخيصة ، خاصة وأن العديد من الصفقات تبرم بالعملات المحلية ،الامر الذي يفسر العلاقات الدافئة بين نيودلهي وموسكو.
الرهان الامريكي والقلق الروسي
يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية هو مد امد الحرب الروسية الاوكرانية على الرغم من النقص في الامدادات العسكرية لأوكرانيا والخسائر البشرية التي تتكبدها كييف .وتصب الانظار الآن إلى التصعيد الامريكي الصيني والتحضير للحرب المقبلة المحتملة في المحيطين الهندي والهادئ .وتتفق نيودلهي وواشنطن على ضرورة تحجيم دور بكين باعتبار أن التنين الصيني عدو مشترك. لكن الهند في حيرة وقلقها الامني يزداد وحرصها على سلامة أمنها ومواطنيها لأن التقارب بين الصين وروسيا يزيد من هواجسها في حال أخذت موقفا” معاديا” لروسيا ,وهي بذات الآن تخشى من مواجهة مع جارتها الصين وتدرك بان روسيا من ستمنع حدوث ذلك وتدعمها .
لدى الهند طموحات عديدة ومنذعقد من الزمن تقريبا”، في ظل حكومة رئيس الوزراء مودي ، ونيودلهي تريد أن تصبح قوة عظمى وتلعب دورا” حيويا” على المسرح الدولي. وباشرت بكثيف جهودها الدبلوماسية المتوازنة للحفاظ على علاقاتها الدولية المتينة وثقتهم بها ، من خلال تواصلها مع العديد من العواصم الغربية للحفاظ على مصالحها القومية و لعب دورا حيويا” على الساحة الدولية . تقود الهند الآن ، حملة واسعة للمطالبة في إعادة هيكلة مجلس الأمن والمؤسسات المالية العالمية وتؤمن بعالم متعدد الاقطاب وتبحث من جهة ،على أرضية مشتركة مع حلفائها في مجموعة البريكس، ومن جهة ثانية ، تميل إلى التحالفات الاقليمية التي تقودها واشنطن من الرباعية (غواد QUAD) مع اليابان واستراليا إلى الرباعية أي تو يو تو (I2U2) والتي تضم الهند واسرائيل والولايات المتحدة والامارات العربية المتحدة .
ويبدو ان القلق الروسي بدا يتزايد مع استمرار المحاولات بتغيير الموقف الهندي من الحرب الروسية الاوكرانية وزيادة الاقلام التي تطالب نيودلهي بالدخول في تحالفات أمريكية غربية لمدها بالسلاح والعتاد والتكنلوجيا والتشكيك بالتقارب الصيني الروسي الايراني المعاد للتحالفات الامريكية الغربية .لكن مازال هناك مدرسة في الهند تدرك الحدود المقيدة لسياسة الهند الجديدة و تؤمن بان ابقاء الشراكة الاستراتيجية مع الحلفاء القدماء من مصلحة الهند القومية والحلفاء الجدد لديهم اجندتهم الخاصة وهذه التحالفات التي تقودها واشنطن تزيد من الاستقطاب والانقسامات العالمية وتهدد بحروب إقليمة ذات ابعاد عالمية .
لا شك بان الحرب الروسية الأوكرانية وقيادتها لمجموعة العشرين، منحت الحكومة الهندية الفرصة لتجد مكانة اكبر على المسرح الدولي وابراز دور حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم في تحقيق ذلك وسعيها المتواصل لاقناع الشارع الهندي بدور رئيس الوزراء كزعيم عالمي، وبالتالي إضافة السياسة الخارجية على اجندة الحزب للفوز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الهندية العام المقبل وإن كان الفوز بالانتخابات متوقعا” لأكثر من سبب .