عن “الحرابة”/ محمد عبد الرحمن ولد عبدي
“إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “
والحرابة هي قطع الطريق للسرقة والنهب وكانت الحِرابة منتشرة منذ القدم في شبه الجزيرة العربية، وكانت لها آثار سلبية لما فيها من قتل وسفك للدماء وسبي النساء والذراري وقطع للنسل. وتكون الحرابة بخروج جماعة مسلحة مشهرةً اجرامها بالسرقة والنهب والقتل، ولكن ظهور الإسلام حد من هذه الظاهرة وكان للإسلام حكمه فية الحِرابة وكما في مختصر خليل: المحارب : قاطع الطريق لمنع سلوك ، أو آخذ مال مسلم أو غيره : على وجه يتعذر معه الغوث وإن انفرد بمدينة، كمسقي السيكران لذلك ، ومخادع الصبي أو غيره ليأخذ ما معه ; والداخل في ليل أو نهار : في زقاق ، أو دار ، قاتل ، ليأخذ المال ، فيقاتل بعد المناشدة ، إن أمكن ، ثم يصلب فيقتل، أو ينفى الحر : كالزنا. وآية الحرابة المتقدمة نزلت في المؤمن . قال القرطبي وهذا قول حسن ، وهو معنى ما ذهب إليه مالك والشافعي ; ولذلك قال الله تعالى : “إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم”.
ومعلوم أن الكفار لا تختلف أحكامهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما تسقط قبل القدرة ، والمرتد يستحق القتل بنفس الردة – دون المحاربة – ولا ينفى ولا تقطع يده ولا رجله ولا يخلى سبيله بل يقتل إن لم يسلم ، ولا يصلب أيضا ; فدل أن ما اشتملت عليه الآية ما عني به المرتد ، وقال تعالى في حق الكفار : “قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف “. وقال في المحاربين : إلا الذين تابوا الآية ; وهذا بين ، وعلى ما قررناه في أول الباب لا إشكال ولا لوم ولا عتاب إذ هو مقتضى الكتاب ; قال الله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فمثلوا فمثل بهم ، إلا أنه يحتمل أن يكون العتاب إن صح على الزيادة في القتل ، وذلك تكحيلهم بمسامير محماة وتركهم عطاشى حتى ماتوا ، والله أعلم ، وحكى الطبري عن السدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمل أعين العرنيين وإنما أراد ذلك ; فنزلت الآية ناهية عن ذلك ، وهذا ضعيف جدا ; فإن الأخبار الثابتة وردت بالسمل ; وفي صحيح البخاري : فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم ، ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود ، وفي قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله استعارة ومجاز ; إذ الله سبحانه وتعالى لا يحارب ولا يغالب لما هو عليه من صفات الكمال ، ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد ، والمعنى : يحاربون أولياء الله ; فعبر بنفسه العزيزة عن أوليائه إكبارا لإذايتهم ، كما عبر بنفسه عن الفقراء الضعفاء في قوله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا حثا على الاستعطاف عليهم ; ومثله في صحيح السنة استطعمتك فلم تطعمني . الحديث أخرجه مسلم ، واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة ; فقال مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا ذحل ولا عداوة ; قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة ، فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفى ذلك مرة ; وقالت طائفة : حكم ذلك في وقالت طائفة : حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق وديار أهل البادية والقرى سواء وحدودهم واحدة ; وهذا قول الشافعي وأبي ثور ; قال ابن المنذر : كذلك هو لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة ، والكتاب على العموم ، وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة ، وقالت طائفة : لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجا عن المصر ; هذا قول سفيان الثوري وإسحاق والنعمان ، والمغتال كالمحارب وهو الذي يحتال في قتل إنسان على أخذ ماله ، وإن لم يشهر السلاح لكن دخل عليه بيته أو صحبه في سفر فأطعمه سما فقتله فيقتل حدا لا قودا . واختلفوا في حكم المحارب ; فقالت طائفة : يقام عليه بقدر فعله ; فمن أخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله ثم صلب ، فإذا قتل ولم يأخذ المال قتل ، وإن هو لم يأخذ المال ولم يقتل نفي ; قاله ابن عباس ، وروي عن أبي مجلز والنخعي وعطاء الخراساني وغيرهم ، وقال أبو يوسف : إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل على الخشبة ; قال الليث : بالحربة مصلوبا . وقال أبو حنيفة : إذا قتل قتل ، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه ، إن شاء قطع يده ورجله وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه ;
قال أبو يوسف : القتل يأتي على كل شيء ، ونحوه قول الأوزاعي ، وقال الشافعي : إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ، ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي ; لأن هذه الجناية زادت على السرقة بالحرابة ، وإذا قتل قتل ، وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب ; وروي عنه أنه قال : يصلب ثلاثة أيام ; قال : وإن حضر وكثر وهيب وكان ردءا للعدو حبس ، وقال أحمد : إن قتل قتل ، وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي ، وقال قوم : لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب ; وحكي عن الشافعي : أكره أن يقتل مصلوبا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ، وقال أبو ثور : الإمام مخير على ظاهر الآية ، وكذلك قال مالك ، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومجاهد والضحاك والنخعي كلهم قال : الإمام مخير في الحكم على المحاربين ، يحكم عليهم بأي الأحكام التي أوجبها الله تعالى من القتل والصلب والصلب أو القطع أو النفي بظاهر الآية ; قال ابن عباس : ما كان في القرآن ” أو ” فصاحبه بالخيار ; وهذا القول أشعر بظاهر الآية ; فإن أهل القول الأول الذين قالوا إن ” أو ” للترتيب وإن اختلفوا – فإنك تجد أقوالهم أنهم يجمعون عليه حدين في