هجمات المتطرفين .. سيناريو أميركي يحضّر ضد روسيا وبريانسك البداية/ د. أحمد الكناني
20 مارس 2023، 19:32 مساءً
لا شك أن الأحداث التي جرت في مقاطعة بريانسك وتحديداً منطقة كليموفسك، تشير إلى أن تصعيداً أوكرانياً يتم التحضير له ضد روسيا، إلا أن هذه المرة يختلف التصعيد فالهدف يقع في الداخل الروسي، إذ تشير البيانات الرسمية بإطارها العام حول الحادث أن مجموعة من المقاتلين الأوكرانيين تسللوا إلى المنطقة الحدودية وفتحوا النار على السيارات العابرة واحتجزوا رهائن، ما أسفر عن مقتل مواطن وإصابة طفل، الأمر الذي وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعمل الإرهابي وجزء من المعركة ضد النازيين الجدد.
تصريحات الرئيس الروسي ووصفه حادثة بريانسك بالعمل الإرهابي لم تأتي من فراغ، كون القيادة الروسية باتت تعلم أن الهدف الأوكراني داخل الأراضي الروسية يحمل العديد من الأبعاد السياسية والميدانية، أولها إيصال رسالة واضحة مفادها أن أوكرانيا قادرة على شن هجمات داخل العمق الروسي، وإثارة حالة من الخوف والتوتر في الداخل، عدا عن إحراج القيادة الأمنية والعسكرية الروسية، كون ما جرى يعتبر خللاً أمنياً واضحاً على الحدود بين البلدين، إلا أن أبرز ما جاء في كلام الرئيس الروسي بأن الجيش يعمل على حماية البلاد ممن سماهم “النازيين الجدد” اختصر ما جرى.
ad
مجتمع قائم على التطرف
وبالعودة إلى الطريقة التي تعاملت بها المجموعة المتسللة لمقاطعة بريانسك لا يبدو أنها كانت تسعى لأهداف عسكرية واضحة سوى الإرهاب، وهي السمة التي تتميز بها الميليشيات الأوكرانية التي تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني ضد روسيا ولعل أبرزها كتيبة “آزوف” (Azov Regiment) والتي تم تصنيفها منذ آب 2022 منظمة إرهابية، وهي ليست الوحيدة المتطرفة في أوكرانيا، فبحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، هناك عدد من الأحزاب الأوكرانية اليمينية المتطرفة منها حزب “الفيلق الوطني”والذي تأسس في العام 2016، بقيادة “أندري بيليتسكي” من قبل كتيبة “آزوف” من الحرس الوطني الأوكراني وأعضاء من فيلق آزوف المدني، حيث أجرى الحزب بأوكرانيا تدريبات عسكرية للمتطوعين في صفوفه في 6 مارس العام الفائت، وتضمنت التدريبات استخدامات السلاح والإسعافات الأولية، كما تشكلت جماعة “القطاع الأيمن” أو “برافي سيكتور” من القوميين وأنصار اليمين المتطرف والذين بلغ عددهم 10 آلاف مقاتل عام 2014 وتم الاعتراف بهم كأبطال ونواة أساسية في الدفاع عن أوكرانيا.
يضاف إلى ذلك المقاتلون الأجانب والذين بلغو قرابة 16 ألفاً حسب المركز الأوروبي وينتمون لجنسيات متعددة، عدا عن منح الجنسية للأجانب الذين سافروا إلى أوكرانيا للمشاركة في الحرب ضد روسيا، حيث تم تجنيد مرتزقة محترفين لتنفيذ عمليات هجومية مقابل رواتب عالية جداً يتقاضونها.
وفي ظل ماجرى من أحداث عسكرية بين روسيا وأوكرانيا بدأت الجماعات اليمنية المتطرفة بالظهور بشكل أكبر، وأخذت شكلاً توسعياً مدعوماً بشكل مباشر من نظام كييف كنواة أساسية في الحرب مع روسيا، إذ يشكل الدستور الأوكراني مناخاً مناسباً لخلق بيئة متطرفة، وذلك وفقاً للمادة 16 منه والتي تنص على مسؤولية الدولة في حماية التراث الجيني والعرقي للأوكران، الأمر الذي يسوغ ويسهل عمل الميليشيات المتطرفة في الداخل الأوكراني.
دعم المتطرفين فن تتقنه واشنطن
إن التطرف الذي تشهده أطياف واسعة من المجتمع الأوكراني وجد نفسه أمام حاضنة غربية وأميركية، إذ لم تكتفي واشنطن عبر الناتو بدعم نظام كييف بالسلاح والذخيرة والدبابات والعتاد، بل وجدت الكتائب المتطرفة سلاحاً قوياً يمكن استخدامه في ضرب العقر الروسي، لا سيما أن واشنطن هي الأكثر براعة عالمياً في استخدام الدمى المتطرفة على اختلاف انتماءاتها.
لقد سبق لواشنطن أن استخدمت التطرف كأداة في حروبها المتعددة ضد الاتحاد السوفييتي لا سيما “المجاهدون” الذين استخدمتهم ودعمتهم في أفغانستان من عام 1980 إلى 1989، وقدمت لهم كل ما يلزم لانهاك القوات السوفييتية آنذاك، الأمر الذي أسفر لاحقاً عن نشوء تنظيم القاعدة الإرهابي نتيجة للدعم الأميركي لهذه الجماعات.
كذلك الدعم الأميركي غير المحدود للإرهابيين في الشيشان والذي عبر عنه مقال صحفية الغارديان المنشور في 8 أيلول 2004، للكاتب جون لوغلاند بعنوان “الأصدقاء الأمريكيون للشيشان: التزام المحافظين الجدد في واشنطن بالحرب على الإرهاب يتبخر في الشيشان، إذ جعلوا قضيتها قضيتهم.” والذي تحدث جملة وتفصيلاً عن العلاقة الوثيقة بين واشنطن والمجاهدين الشيشان، وكيف كان يتم توجيههم ومدى ارتباطاتهم بالمسؤولين الأميركيين.
وفي الآونة الأخيرة استطاعت واشنطن أن تلعب في ورقة تنظيم داعش الإرهابي بانهاك الجيش السوري وحلفاءه ، وهو ما أكدته سورية مراراً وتكراراً عبر مندوبها السابق في مجلس الأمن د.بشار الجعفري والذي أشار إلى أن “القوات الأميركية قصفت مواقع للجيش السوري لتأمين ممرات آمنة لتنظيم داعش الإرهابي للعبور من العراق إلى سورية”، عدا عن نقل عناصر التنظيم المتطرف إلى أماكن عدة آخرها منطقة التنف والتي تتموضع فيها قاعدة عسكرية أميركية شرق سورية.
وفي السياق نفسه حذرت الخارجية الروسية من الدور الأميركي بتحريك تنظيم داعش الإرهابي ضدها وفق ما جاء في بيان الاستخبارات الخارجية الروسية “قام الأمريكيون في نهاية عام 2021 بتحرير عشرات الإرهابيين التابعين لتنظيم “داعش” من مواطني روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة، حيث تم إرسال هؤلاء الأشخاص إلى قاعدة التنف التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في سورية، وخضعوا لتدريب خاص على أساليب القيام بأعمال التخريب والإرهاب، مع التركيز على منقطقة دونباس”
أوكرانيا خزان للتطرف
ليس ذلك فحسب فهناك العديد من التقارير الإعلامية الغربية والروسية تشير إلى توافد الأعداد الكبيرة من المتطوعين في صفوف الأوكران، ولعل أبرزهم المتطرفون والمرتزقة القادمون من سورية عبر ريف حلب الشمالي للإنضمام في صفوف القوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي، ومن هذا المنطلق باتت المخاوف الروسية أكبر من تحول أوكرانيا إلى سلاح أميركي وخزان للتطرف يستخدم ضد روسيا.
وعلى نفس الوتيرة وفي خطوات أوروبية لدعم المتطرفين الأوكران باشرت بريطانيا بفتح مراكز للتدريب على أراضيها وبإشراف مباشر من وزير الدفاع البريطاني، في إشارة واضحة لتحول الدول الأوروبية إلى مصنع لتجهيز المقاتلين المتطرفين، وربما الانتحاريين ضد روسيا، يؤكد ذلك الزيارة التي أجراها أعضاء من منظمة آزوف النازية إلى الكونغرس لكسب الشرعية والتعاطف الأميركي والحصول على الدعم المالي والسلاح بشكل أكبر.
لقد أصبحت أوكرانيا مستنقعاً يمينياً متطرفاً، وإسلامياً متشدداً، تعمل واشنطن من خلاله توجيه هذه الفئات المتطرفة على اختلاف انتماءاتها لنتفيذ أجندتها في ضرب القوات الروسية، بل يتعدى ذلك إلى تنفيذ هجمات إرهابية في الداخل الروسي كما حصل في بريانسك، الأمر الذي يراه الخبراء الأمنيون وسيلة فعالة للضغط على روسيا عسكرياً ويضعف موقفها في الداخل خاصة الرأي العام في البلاد.
ونتيجة للمخاطر المحدقة بموسكو، والدعم غير المحدود للنازية الجديدة، يتوجب عليها الحذر بشكل كبير من التحديات الأمنية، ورفع الجاهزية في الداخل، وتكثيف النشاط الأمني ضمن المناطق الحدودية، وذلك تجنباً لوقوع سيناريو جديد على غرار بريانسك يعطي النازيين الجدد نقطة قوة تسجل في رصيدهم بالداخل الروسي.