مع بداية قراءتكم لهذه الكلمات يفترض أن يكون السيد دونالد ترامب قد سافر إلى نيويورك بطائرته الشخصية الباذخة ثم توجه إلى مقر المحكمة وسيت إدخاله من مدخل خاص ( إذا وافقت المحكمة ) ويفترص حسب تصريحات محاميه السابق مايكل كوهين الكهنوتي أن تؤخذ بصماته كما في أفلام الأكشن وتلتقط له صور جانبية وأمامية لوجهه في أوضاع مختلفة تماما كما يحدث مع المتهمين في القضايا الجنائية وسيحمل لوحة مكتوب عليها رقم القضية والمتهم والبيانات الجنائية، ورغم أنه سيعفى على الأغلب من تقييد يديه فإنه سيوضع في الزنزانة لحين مثوله أمام القاضي والادعاء ، ستكون المرافعة متاحة للعموم ، وبعد حجز القضية سيعلن توقيت المحاكمة وقيود السفر ومتطلبات الكفالة.
لدي حزر بأن أي عربي -وربما غير العرب- سيقرأ هذه التفاصيل ستنساب في ملامح وجهه بسمة ارتياح ونفحة من نشوة ، كل ذلك يبدو جميلا ونستطيع القول ببعض المكر والدهاء أن هذا السيناريو مع ترامب الزهري هو شيء باعث للراحة والشعور بسعادة خفية لأن إنسانا مثله وبمثل أفعاله وخصائصه وسلوكاته يستحق ما هو أكثر من ذلك، ومن شرفة المشهد العليا يمكن للجماعة الذين يتغنون بالديموقراطية الأمريكية واستقلالية المنظومة القضائية الأمريكية أن يجدوا ضالتهم المنشودة بهذا المثل من القضاء العادل ويرفعون أعينهم بقوة فيمن يدعون العكس! فها هو رئيس سابق لهذا البلد بكامل عظمته تتم الاطاحة به والتعامل معه مثل اي مواطن عادي خلافا للألهة المخلدة في بلدان العالم الثالث.
الحقيقة الأولى غير الظاهرة وكما تلاحظون فإن تطبيق القانون ( العادي ) على فرد ( غير عادي ) لم يختلف عن تطبيق هذا النوع من العدالة في بلادنا العربية عظيمة النزاهة ونزيهة القضاء حيث يمكن جلب أي مسؤول حكومي من المقياس الكبير مثلا وإذلاله وتطبيق القانون ( العادي ) عليه وإلصاق تهم منتقاة بعناية تحوله إلى خائن للشعب والأمة وساع في خراب الدولة ، لكن الحقيقة البسيطة تتمثل في أنه قد خرج قليلا عن النهج المرسوم له وتمت تصفية مستقبله وقيمته مع تحويله إلى درس كبير ليس له فقط بل لكل العصابة الباقية على قيد المسؤولية بأن هذا هو مصير من يخالف التعليمات ، إن التهمة أو التهم التي يحاكم بها ترامب تعتبر من مسلمات الثقافة الغربية الرأسمالية حتى لو أنها دُبلِجَت كي تبدو من الجنايات وهي تقع في نفس ( الكاتيجوري ) من المستهلكات الذي توضع فيه تهمة في بلادنا لصحفي أو مسؤول أو شخص من قبيل : التخابر مع جهة خارجية – التحريض على اعمال تمس هيبة الدولة – القيام بأعمال من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة ………….إنها تهم حقيقية وواقعية ولكنها مصنوعة من المطاط الخام ومسحوبة من درج مليء بحلقات المطاط من ذات النوع داخل غرفة مليئة بكل أشكال المطاط اسمها الولايات المتحدة وهنا يمكن للتهم أن تكون شروطا للإلتحاق بالجماعة أو بالعكس .
للأسف ومع كل خيبة أمل للجماعة المطبلين للديموقراطية الأمريكية فنحن لم ندخل منطقة الإدعاء المذكور من النزاهة واستقلالية القضاء ونظافة الأحكام فالدرس الأول يقول بأننا لا نزال نراود في نفس باحة اللف والدوران الأمريكية ذاتها ! إن لف حبل القضاء على ساقي ترامب لم يكن إلا كما هي العادة عملية تنظيف داخلية منشودة ومطلوبة لتصب في مصالحهم وليس في مصلحة العدالة الكونية أو الأنسانية وأسباب مقاضاة ترامب وخلق هذه المحاكمة لم تأت من فراغ كما يتوقع ، لقد كنا نرجو في الكفة المقابلة لو كان هنالك القدر القليل من العدالة أن نسمع عن عقد محكمة أمريكية بحق مجرمين أشد عتيا من الرؤساء السابقين الذين تسعى وراءهم العدالة الربانية والانسانية لما اقترفوه بحقنا نحن العرب في فلسطين والعراق واليمن وسوريا وليبيا وغيرها من دول العالم مثل فيتنام وأفغانستان وكوبا وفنزويلا والمكسيك .
من المؤسف أن العدالة الأمريكية العوراء تحاكم ترامب الزهري لأنه أخفى تفسير المبلغ المدفوع للمومس وبعض الاحتيالاات المالية ولكنها لم تحاكمه على فعلته الأخلاقية ولم تحاسبه على تصريحاته العنصرية التي دفعت بالعالم نحو التطرف والشعوبية والكره وتقسيم الناس بين أسود وأبيض ولم تحاسبه على منحه حقوق الاراضي العربية لمن لا يملكها ، ومن المؤسف أكثر أن العدالة الأمريكية تطارد وراء ترامب لإخفائه جنحا مالية ولم تحاسب مجرما مثل جورج بوش الذي أزهق من العرب والمسلمين ملايين الأرواح ولم تحاسب مجرمين آخرين قتلوا الملايين عبر هذا العالم وهذا التاريخ !
على الرغم من فرحتنا الخافتة بإذلال ترامب لكن هنالك غصة ما خاصة لا يمكن ابتلاعها تقف في البلعوم عند محاولة ممارسة هذه الفرحة في مثل هذا النوع من الاقتصاص من أعداء الشعوب ، غصة كتلك التي ترافق موت أحد أعداء هذه الأمة ميتة طبيعية أو بنفاذ اجله او حبسه نتيجة قضية سياسية داخلية او ألاعيب التصفيات ، غصة كتلك التي رافقت رحيل شخص مثل شمعون بيريس أو شارون أو كما سيكون موت جورج بوش الابن وهو على سرير المستشفى ، لم يكن موت بيريس كمثال بالنسبة لنا سوى هزيمة قاسية ، تماما مثلما كان موت شارون هزيمة أقسى لأن الطبيعة وحدها هي التي أهلكته وسحبت كينونته الزمنية وانتصرت على جبروته تدريجيا طيلة رحلة السنوات ليموت بعدها في احتفالية المجد الاسرائيلي ، هزيمتنا تأتي من أن أحدا منا أو من العرب لم ينل منه ولم يسجل النصر عليه أو على ما يمثله طيلة هذه السنين ، كنا نتمنى أن نحاكم شمعون وشارون وجورج او تناله أيدي مقاومينا بالقدر الذي يليق بجرائمه ، كنا نتمنى لو أن أيدي الشعوب العربية تقتص من كل سلسلة الطغاة الذين رحلوا بسلام وهم في أحضان المجد لبلادهم ، كنا نتمنى أن نحاكمك نحن يا ترامب ونحاكم أمثالك من القتلة والمجرمين الذين سرقوا حياتنا ومستقبلنا وأوغلوا في دماء أهل الأرض .
في هذا العالم الرقمي الجديد الدرس الثاني ماثل أمامكم في بث حي ومباشر حيث يمكن استدعاء الذاكرة الرقمية من عميق السنوات لاستخراج جثة خبر أو كلمة او حادثة أو مقطع فيديو ثم اعادة بعث الحياة فيه ليكون سلاح الإطاحة بك أو محاكمتك ، وبمعنى اخر تدوير افعالك في اللحظة المناسبة لتصبح ضدك والأمثلة أمامكم أكثر من أن تعد !
الدرس الثالث في الحكيم ترامب وعلى الرغم من المرحلة التي حكم فيها وقدم فيها الخدمات الجليلة للجماعة الذين يحتلون أرض فلسطين ومنحهم عاصمة الوعد الإلهي إلا أن مكافأته تمثل أمام أعينكم من امتهانه وإذلاله وتعمد الإطاحة به بأبشع الصور المخزية لأنه ولا بد قد ارتكب نوعا من الحماقة أو التصرفات الرعناء التي يشتهر بها وأطلق تصريحا أو أقدم على فعلة خالفت التعليمات أو البروتوكولات الخاصة بأولئك الذين منحهم الجولان والقدس وسرق لهم من اموال العرب ما لم يفعل كل من كان من قبله .
الدرس الرابع يقول بأنه من المؤسف أن ترامب تتم الإطاحة به من أجل قضية بغاء داخل بلاده بينما فشلت الكتلة العربية في إدانته أو محاكمته أو المطالبة بأي نوع من تحميله المسؤولية هو و فريق طويل من المجرمين الأمريكيين الصهاينة بسبب تهم وجرائم تنوء بها العصبة أولي القوة من الذنوب ، ذنوب بحجم احتلال العراق وقتل أكثر من مليون مواطن عراقي بريء ، جرائم بحجم الفتك باليمن وتدمير سوريا وليبيا ولبنان ، جرائم بحجم قتل وقصف واغتيال الألوف وخلق عوالم كاملة من الفوضى والجحيم المعيشي لشعوب بأكملها في هذا العالم ، من مؤسفات هذا العالم أن شخصا مثل بايدن الثعلب الآمن لم يحظ بمحاكمة عادلة للعجوز في تسببه بأكبر حرب ممتدة وقابلة للانتشار أفقيا وعموديا من اوكرانيا الى كل العالم وتسببه في أزمات اقتصادية وغذائية ومعيشية لسكان هذا العالم ، أسف آخر بمحاكمة عادلة وحقيقية لخائن من حجم زيلينسكي وغيره من الذين جابوا الصخر لبلاده في الواد ودمروا مستقبل أوكرانيا بأكملها إرضاءا لخطط جماعات اليهود .
كنت أتمنى شخصيا ولو كنوع من أضغاث الأحلام أن تبرز جهة عربية حقوقية لتصنع لنا نحن العرب قائمة تحضيرية ولو في ضمير الغيب بالمطالبات الحقوقية والتاريخية بحق شخصيات عابرة للحدود من كل هؤلاء ممن أجرموا وارتكبوا بحقنا كل الموبقات السياسية والعسكرية ، قائمة من المجرمين الذين نريد محاكمتهم حتى لو كانوا في قبورهم من بلفور ومناحيم بيغن وشارون وجولدا مائير وصولا حتى نتانياهو وقائمة أخرى طويلة من المسؤولين العرب الذين تلوثت أيديهم بدماء شعوبهم وخيانة بلادهم وترك الأعداء تسرح وتمرح في الأرض العربية الاسلامية ، نريد حصالة تاريخية نضيف اليها كل سنة اسماء جديدة من تلك الوجوه الكالحة التي تطل علينا مند سنوات وتحكم وترسم وتحول حياتنا الى علقم وصنعت الفقر والضعف والهزال والخسة في أمة العرب وصورتنا على اننا متسولين ومتشردين وحثالة الشعوب ، تلك الوجوه التي عليها غبرة وترهقها قترة من هؤلاء ذوي الفكوك المتدلية والبشرة الآرية واصحاب الرَّسّ والمنعمين في الحرير والديباج والسندس المشوب بحمرة النبيد ولذة الخيانة والذين عطشوا شعوبهم وتأمروا على عروبتهم واسلامهم ، نريد قائمة محاكمات للمستقبل أمام محكمة الشعوب العربية تشابه تلك في محاكمات نورنبيرغ التاريخية لكننا سنمنحها اسم محاكمات القدس مهما طال الزمان لكل من شاركوا في قتل الشعب الفلسطيني وحاصروا غزة وثقبوا أجساد الأطفال وأسقطوا البنايات على من فيها ، نريد رأس من مزق العراق و اليمن وسوريا وليبيا ولبنان والسودان وكل بلادنا التي أنتهكوا حرمتها .
دعنا نصارحك ولنقل الحقيقة البسيطة التي تلعثم كلماتنا يا سيد دونالد الظريف فنحن نشتهي ونحلم بيوم ان نقبض عليك ونضعك في بث حي ومباشر على الملأ في محكمة الشعوب العربية ونسألك عن كل التفاصيل السرية التي أرقت منامنا سنوات طويلة وعذبت ضمائرنا بالإجابات ، تأكد تماما بأننا لن نسألك عن ثروتك وسرقاتك وحفلات المجون خاصتك لأن تلك هي امور أمريكية أقل من عادية ولن نسألك عن تلك المائة وثلاثين ألفا التي دفعتها للمومس ولا عن الملايين التي ظفر بها كوهين اللعين ، لكننا سنسألك عن تلك المليارات التي سرقتها من بلادنا وسنوات من أعمارنا وعن تلك المومسات السريات اللواتي نعلم بأنك فعلت معهن أكثر من مضاجعتهن ، دعنا نذهب بعيدا يا سيد ترامب ونجنح في أحلامنا ونتمنى أن نقبض على جورج بوش ونسأله عمن دفع له الجزية ليقتل مليون عراقي ويدمر حضارة وبلادا بأكملها ، دعنا نسأله عن التفاصيل الخفية والاتفاقات الدهليزية ، دعنا نذهب أبعد من ذلك لنلقي القبض على نتانياهو ونحاكمه ونعرف منه إجابة الأسئلة السرية التي أهلكت عقولنا سنوات طويلة مريرة حول ديانة وجينات جماعة التنسيق وكثير من الناطقين بالعربية وحقيقة جيناتهم و أفعالهم العبرية ، دعنا نتمنى يا سيد ترامب في يوم محاكمتك فربما تكون محاكمتك هذه فاتحة لمحاكمات القدس التاريخية لسلسلة طويلة من الخيانات والمؤامرات والجرائم التي وقعت بحق كل الشعوب العربية .
كاتب عربي فلسطيني