غزوة الأحزاب…/ المرتضى محمد أشفاق
دخلت المدينة على حين غفلة من أهلها، ووجدت فيها أمة من الناس يشقون..الأبواق الصدئة مربوطة على أعمدة تثبيت خيام تترنح في خفة، حتى من سكون الرياح..وبعضها مثبت في عجلة عربة حمار آثر صاحبها الجلوس ليكون جزءا من الفضول المتدني السائد هنالك..وقد أسندت إليه مهمة صناعة الشاي، فعشقها لأنه لا يتقنها..حوله أقران يساعدون السكر المتراكم كهرم صغير في رقبة البراد على النزول في القاع..يدعمونه بأيديهم، وعندما يغص البراد ويقيء سائله الأحمر على أطراف منكبيه يتلقونه بأكفهم ويعيدون ما استقر فيها إلى بطن الإبريق المتخم..وقد صارت حمرته داكنة، بحكم ما امتزج بها من وسخ، وعرق تلك الأيدي..ثم ترى الوجهاء يحتسون كؤوس السائل المتعدد الأعراق في غفلة، ونهم…تحت تلك الخيام تعترضك سوءة مكشوفة وغراب يثير الأرض ليأكل الجثث المتحللة..رخص الفن، وتفه الشعر، وتحولت رسالتهما إلى مشهد مثير للشفقة والتقزز..فنانات شابات يغنين..يمارسن فاحشة التغزل السياسي الكاذب بأسماء لا يعرفن عنها شيئا..والغريب أنهن يتفنن في الإيقاع كأنهن يعشن حالة طرب حقيقي..أنظام يغلب العرج على أكثرها في تمجيد المترشح وتاريخه المزيف..لما اقتربت من منكب المدينة الأيمن تراءت لي صور المترشحين الضخمة تعلو السقوف..لم أصدق أني أرى صورة أحمد منصور..إنه هو بابتسامته وعارضيه المحلوقين بقياس دقيق، حتى ليخيل إليك أنك أمام لوحة، ولست أمام صورة..قال صديقي إنه هو بالسنتيمتر، والميليمتر..لكن انظر هناك تلك صورة رئيسة كورواتيا تجعل على رأسها خمارا، تبتسم للمارة في دلال أنثى، لا في إرادة امرأة سياسية..وتلك صورة نزار قباني..صاح مرافقنا وتلك الصورة التي تلامس عمود النور صورة (مادورو) رئيس فنزويلا ويبدو متوترا كفارس جبان..نلمح ذلك في انعقاد حاجبيه..وتلك صورة فريد الأطرش إلى جانب صورة محمد عالي اكلاي..ونحن نحاول تفسير ترشح شخصيات كبيرة بعضها أجنبي في المدينة، ساقنا الفضول إلى المقرات لنكتشف خداع الصور، والتعديل البين الذي خضعت له، فأحمد منصور هو قريبنا صاحب وكالة تحويل الرصيد الملاصقة لدكان “وانطير”، ويزعم أنه فاز في مسابقة ملك الجمال في جنوب السودان..ورئيسة كورواتيا عاملة دعم، جربت ضرب الودع في بهو السوق فلم تفلح..أما صورة نزار قباني فهي لمعلم متقاعد، يحكي للمارة كل يوم قرب مصلحة البريد الفرق بين moi بلا أَسْ، وmois، بأَسْ..مادورو سائق صنبطلي يدَّعِي أحيانا أنه دبابة شارك بها في حرب الخليج، ويحكي عن انتصاراته في أم المعارك..فريد الأطرش فار من حرب الصحراء، يقضي أكثر وقته في ساحة سوق الحيوان يعلق على ضروع الماعزة، ويسرد بطولاته إذا خلا المكان من معارفه..محمد عالي اكلاي بيطري، وخاصي حمير ماهر، ومؤذن في مسجد الحي القديم..في حي البوطوار بالون منفوخ عليه صورة نواس الشريف..اقتربنا منه فقرأنا اسم مراقب المدرسة الأولى في المدينة..مارس تجارة الريق في أحياء الصفيح، ثم صار إماما للتراويح لكنه اشترط أن يقرأ سرا لأن الجهر يصيبه ب(شيلان أمرزي)..لم يسمح لنا الفضول والعطر الرخيص الممزوج بزفير المناطق المتعرقة، من جمهور مختلط، أن ننتظر حتى نرى أبا سفيان -والعاصفة تقتلع الخيام، وتسوي القدور بالأرض- يقول أيها الناس إني راحل ويركب راحلته معقولة…