المغاربة يصرّون على إسقاط التطبيع المشؤوم/ أمين بوشعيب
14 أبريل 2023، 18:26 مساءً
منذ الأسبوع الأول من الشهر الجاري، نظم آلاف المغاربة أكثر من خمسٍ وثلاثين تظاهرةً شعبيةً بمختلف المدن المغربية، وذلك احتجاجاً على التدخل الصهيوني الوحشي في حق المقدسيين، حيث قامت قوات الاحتلال الصهيوني باقتحام المسجد القبلي في المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المصلين العزل داخله والتنكيل بهم، وهو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان وحرمة المكان يؤكد الطبيعة الدموية والعدوانية لهذا الكيان المجرم والغاصب، الملطخة يده بدماء الآلاف من الشهداء.
وخلال هذه المظاهرات الحاشدة عبّر المحتجون عن دعمهم الأخوي للمرابطين والمرابطات في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، كما أدانوا الانتهاكات الإسرائيلية الهمجية، وطالبوا الحكومة المغربية بطرد الممثل الدبلوماسي لدولة الكيان الصهيوني بالمغرب، كما طالبوها بإلغاء التطبيع وكل الاتفاقيات والتنسيقات الأمنية المشبوهة مع هذا الكيان المحتلّ.
وبالموازاة مع هذه التظاهرات الاحتجاجية، وبمناسبة شهر رمضان، انخرطت مئات الأسر المغربية في مبادرة الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة تحت عنوان: ” أنا مغربي إفطاري مقدسي” عبّروا من خلالها عن دعمهم للقضية الفلسطينية، ورفضهم القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني العادلة. وقد أظهرت صور موائد الافطار التضامني المنتشرة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كيف تزينت موائد المغاربة (نساء ورجالا وأطفالا) بالأعلام الفلسطينية والكوفيات المقدسية، وهو ما يبيّن الارتباط الكبير للشعب المغربي بكل فئاته وشرائحه بفلسطين والمسجد الأقصى مسرى الرسول الكريم.
لقد عوّدنا الشعب المغربي أنه لا يتوانى، عن دعمه للقضية الفلسطينية، ولا زال المغاربة يضربون أروع الأمثلة في التضامن مع فلسطين: شعبها وأرضها وأقصاها ومقدسها، فتراهم في كل مناسبة يبدعون أشكالا متنوعة ومختلفة يبدون فيها تضامنهم ووقوفهم الدائم إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين.
ad
إن المكانة التي تحظى بها فلسطين وبالذات القدس والأقصى في نفوس المغاربة، قد ورثها المغاربة أبا عن جد، حيث كان لأجدادهم شرف المشاركة في تحرير القدس تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، وإلى ذلك تشير العديد من المصادر التاريخية، بأن ربع الجيش الأيوبي الذي شارك في تحرير القدس كان من المقاتلين المغاربة، وبعد الانتصار أراد معظم هؤلاء العودة إلى أوطانهم، مثل المتطوعين العراقيين والمصريين وغيرهم، إلا أن صلاح الدين سمح للجميع بالعودة إلا المغاربة، فقد رأى فيهم ما لم يره في غيرهم. وحين سُئل صلاح الدين عن سبب تمسكه بالمغاربة، وطلبه منهم البقاء في القدس، وبناء حارة خاصة بهم، وإجراء الأموال والأوقاف عليهم، أجاب بأن المغاربة قوم “يعملون في البحر ويفتكون في البر، أشداء على الكفار، لا يخافون طرفة عين في الدفاع عن المسلمين ومقدساتهم “
لقد خرج المغاربة للتظاهر والاحتجاج لإبلاغ من يهمهم الأمر -داخل المغرب وخارجه- أن الشعب المغربي لن يتنازل، ولن يسمح لأيّ كان، أن يدنس تاريخ أجداده الشرفاء، بتطبيع العلاقات، باسم الشعب المغربي، مع الصهاينة المجرمين، الذين عمدوا إلى تزييف الوعي، وتزوير التاريخ من خلال تدمير حارة المغاربة في مدينة القدس بكاملها بُعيد احتلال القدس عام 1967م، وتسويتها بالأرض، وتحويلها إلى ساحة أسموْها “ساحة المبكى” .
خرج المغاربة لأن يعلمون أن القضية الفلسطينية ليست مرتبطة بالحكام العرب الذين لا يملكون إلا أنفسهم، ومهما يوقعوا من اتفاقيات مع العدو فإن الشعوب هي التي ستسقط تلك الاتفاقيات. ومهما تودّد الحكام لأمريكا وإسرائيل، فإن مصيرهم لن يكون أفضل من الذين تحالفوا مع إسرائيل وأمريكا من قبل. فالقضية بيد أولئك الرجال الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين. وعندما تستيقظ الأمة ويسقط الاستبداد، فيومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
ورسالة الشعب المغربي هنا واضحة، ولا مساومة عليها وهي: إسقاط التطبيع وإلغاء جميع الاتفاقيات التي ترتّبت عن ذلك التطبيع المشؤوم، وطرد ممثل الكيان الصهيوني من المغرب.
فلاش: هل يدرك العرب والمسلمون -حكاما وشعوبا- : أن القدس الشريف يتعرض للتخريب التدميري الصهيوني، من أجل فرض السيطرة اليهودية على المسجد الأقصى المبارك. وهل يدركون: أن المحافل اليمينية اليهودية المتطرفة تواصل –دون كلل أو ملل- إعداد الأدوات اللازمة للهيكل المزعوم على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحقق فيه أهدافها، وهي في ذلك قد اتفقت فيما بينها على تكثيف جهودها وتحضيراتها الرامية لإعادة بناء ما تزعم أنه “الهيكل المقدس” لليهود على أنقاض المسجد الأقصى.
وهل يدرك الحكام العرب: أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يُعدُّ من أكبر المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، وتواجه العرب والمسلمين، لأنه يهدف -من جهة- إلى إعادة تشكيل العلاقات والقيم والمفاهيم العربية والإسلامية تجاه الاحتلال، وفق الرؤية الصهيونية، من أجل الاستفراد بالقضية الفلسطينية سعيا لشطبها وإغلاق ملفها. ومن جهة أخرى يهدف إلى تهديد الاستقرار في الوطن العربي، وتغذية التطرف وإعطاء شرعيةً للجماعات المتطرفة في المنطقة بادعائها أنها الراعي الوحيد والممثل للقضايا العربية والإسلامية. وبهذا الصدد يؤكد المفكر والكاتب السياسي الأستاذ معن بشور، أن ما يجري اليوم في القدس يؤكد أن “التطبيع لم يكن في الماضي والحاضر ولا في المستقبل طريقاً للسلام والازدهار في المنطقة، بل مدخلاً للحروب والفتن والإرهاب التي عمّت المنطقة في مناخات السلام المزعوم والتطبيع المشؤوم”