الفرصة الفلسطينية في الأزمة الصهيونية/ مروان البرغوثي
17 أبريل 2023، 19:09 مساءً
حين عمل منظرو الصهيونية على ترسيم ملامح مشروعهم الاستعماري، كانوا يؤسسون حلمهم على وقع التحولات المتسارعة في المركز الاستعماري الغربي، ومجمل التحولات الدولية والإقليمية. وعندما بدأوا بوضع الفكرة في وقائع ومنجزات، كانوا يشتغلون في واقع بعيد ومختلف عن مكان الحلم والفكرة.
لا يعني ما تقدم أن واقع مشروع الصهيونية بعيد بالضرورة عن الفكرة الصهيونية مثلما صاغها منظّروها الأوائل، غير أن منهج الصهيونية الاستعماري والمتمثل في الدولة المستعمِرة كان أمام منعطف حاد، وتحولات تاريخية ستحمل نتائج بعيدة المدى على المستعمَرة، وعلى مشروع الصهيونية الأكبر. فعندما تبنّت الصهيونية أهدافها المركزية، اختارت بعناية أدوات ووسائل وأساليب ملائمة لتلك الأهداف، وعملت بداية على اختيار تموضعاتها السياسية إلى جانب قوى عظمى، أو على التحالف مع قوى عظمى. وعندما عمدت إلى تنظيم شؤونها الداخلية، اختارت الاحتكام إلى العمل المؤسساتي بطابع ديمقراطي أدائي يكفل لمختلف مركّباتها حيزاً في التنفيذ والتأثير، ويضمن أدوات تحييد الخلافات المستمرة. ولعل أبرز سمات الصهيونية كان ذلك الإصرار على إقامة نظام سياسي بأدوات ديمقراطية، وهي ديمقراطية يهودية، وديمقراطية المستعمَرة التي تحرم السكان الأصليين من أي دور أو قيمة أو تأثير ذي معنى أو مغزى.
لقد ارتكبت الصهيونية تطهيراً عرقياً ونكبة وتهجيراً ومجازر، وبنت باليد ذاتها مؤسسات المستعمَرة من حكومة إلى برلمان منتخب وقضاء مستقل، وغير ذلك من مكونات مجتمع المستعمَرة. وعاشت أعوام استعمارها واحتلالها وهيمنتها وعنصريتها بتوافق وبتقسيم أدوار بين مركّبات قوتها العسكرية والاقتصادية والأمنية والسياسية والقضائية والإعلامية والثقافية. ولم يكن للصهيونية أن تحقق نجاحاتها لولا قدرتها على إدارة العلاقة بين مختلف المكونات، وبين العسكري والأمني، والمدني والسياسي والقضائي، والديني والعلماني، والأشكينازي والشرقي.