آراءموضوعات رئيسية
بلغني أيها البرهان السعيد ذو الرأي الرشيد أنك وحميدتي الفريد ستجتمعان في دار بن صديد.. مزبلة التاريخ تسألنا جميعا: هل من مزيد؟/ خالد شحام
كان ياما كان في قديم الزمان عُرفٌ رنان وقولٌ فهمـان بأن من يتعامل أو يتداول أو يتكلم مع العدو الصهيان فهو ساقط جبان في شعوب العربان، خسيس ولا تقبل منه مقولة ولا عرفان، تبدل الزمان وتحدث الغلمان وصار أعداء الأمة من الخلان وسكتت شهرزاد في ليل الكفران وظلمة الأزمان وذهب الصباح بلا غفران.
يجب أن نُقِرَ جميعا بأن العالم الذي نعرفه يتغير، ويتغير بسرعة خارجة عن المألوف ، سكك القطارات التي عايشناها وعرفناها بدلت سبلها واتجاهاتها واصبحنا غرباء ربما لا نعرف زماننا وزماننا لم يعد يميز ملامح وجوهنا التي كلحت من غبار المصائب وزمان الفتن الكبرى التي نعايشها ، المستوى التقني والعلمي والحضاري الذي نعايشه ليس هو الشيء الوحيد الذي تطور وتحدث، لقد تطورت بمعية كل ذلك مملكة الإنحطاط الآدمي وتطورت سبل وأوجه الخيانة وأصبحت منحى ومؤسسات وجامعات يؤمها الكثيرون لنيل درجات الدكتوراة والأستاذية في الخيانة والإنبطاح والعمالة والسفالة المثلى في عالم اليوم المضطرب الذي لم تعد له ديانة ولا مبدأ.
من الواضح اليوم أننا مرحلة جديدة أصبحنا نترحم فيها على السلام القديم الذي طرحه أمثال السادات و جاءت به سائر الاتفاقيات العبرية مع العرب التي وُقِعت في القرن العشرين ، لدينا اليوم نمط جديد وبوابة عبور سياسي انقلابي غير مسبوقة تبدو في ظاهرها شيئا عاديا أو تلقائيا ولكنها في الحقيقة تمثل اعلان مرحلة جديدة من الانحطاط السياسي والمستقبلي لمصير أمة العرب ، ربما من الطبيعي جدا أن يعلن رئيس وزراء العدو وعساكره بأن قادة المقاومة الفلسطينية والعربية دخلوا في جدول الاغتيالات والاستهداف ولكن من غير العادي والأكثر خطرا على الصعيد الوجودي أن يعلن المذكور استقبال الحوار السوداني المكلوم ، لقد تحول السودان إلى سوق المزايدات الأممية في الشرف والعقلانية المفصلة بالمقاس الأمريكي ومعرضا للحكمة والدعوة الى السلام بالمنطق الاستعماري في عالم منافق كاذب مخادع يأكل بعضه بعضا وما الناصحون بأقل اجراما أو جنونا من المنصوحين ، لقد خرج جنرالات السودان من الصندوق التقليدي في الركوع وقفزوا قفزة إبداعية في عالم الرذيلة السياسية .
ad
لدينا اليوم أرضية عربية تم تحضيرها جيدا طيلة عقود من العمل والإنفاق، لدينا شعوب مجهزة عبر سنوات طويلة تم تدجينها وترويضها كي تحدث لحظة التحول القادمة دون أية مفاجأت والتي ستشهد معالم جديدة من العمالة ستدفعنا لإعلان الذهول من السلوك الخياني والذي يتم ترويجه اليوم على شكل انسياق طبيعي لعالم العرب والسياسات العالمية ونمو دولة الكيان وتمددها سياسيا واقتصاديا وتاهيلها لتكون مركز الشرق الأوسط ، كيف وصلنا إلى هنا ؟ كيف وصلنا الى البوابة التي منحت البرهان والحميدتي الظرف والشرعية للقبول بالصلح بين يدي نتانياهو النائب عن الشر والرذيلة في كل تاريخ العروبة الماضي والحاضر؟ كيف تمكن هؤلاء من تجاوز جماعة التنسيق والتفوق على اتفاقيات كامب ديفيد وسط صمت الشعوب والدول؟
لقد حصل ذلك من خلال عملية خداع ومرواغة وتضليل وتحوير هائلة جرت لنا ببطء وتمكين وخطط ثقيلة الوقع خفية المعالم لها جندها ووزراؤها وميزانياتها وراصدوها ، كيف تم تمرير ذلك الشيء الكارثي الفادح ؟
-تم ذلك أولا وقبل كل شيء من خلال تحوير غايات وأهداف وثوابت الشعوب العربية عبر قناة الهزيمة العسكرية ثم ضخ النعيم الزائف واموال الخليج والرفاه الكرتوني الدي شهدته المنطقة وسبب انقلابا في نظرة وقيم المجتمعات العربية وترويض رفضها للتعايش مع الصهاينة واعداء الأمة ، تم استغلال كل مدخلات التقنيات ووسائط التواصل وقطاع الفنانين الحثالة للحصول على تغلغل عميق وتطويع وتنعيم الرفض الشعبي والتهليس على ذقنه بحلوى الانفتاح ، لقد تم تغيير مجرى الغايات من التحرير والترقي والدولة القوية الى تدبير المعيشة والولاء للأنظمة المؤبدة وتحقيق مكتسبات فئوية لعصابات الحكم وتحويل الشعوب إلى قطعان في نظريات الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي .
-تبديل عقيدة الجيوش من مهمات الحماية ورعاية الحداثة وحراسة التطور السياسي الى خدمة الحاكم بأمر الله وتسخير كل طاقات البلاد للارضاء حتى لو قاد ذلك بالبلاد نحو الهلاك ، المؤسسات الآمنية تغيرت مهمتها من الدفاع عن البلاد الى قمع وكبت الحريات ومصادرة معالم التقدم السياسي وتزييف وعي الشعوب وتحويل هذا الوعي الى مخدرات معيشية وابتلاع المجتمعات بالرعب والتخويف ومع تراجع الحريات السياسية يتحول العالم العربي الى مقبرة كبيرة ومساحات عقيمة عاجزة عن ولادة أية معالم ديموقراطية أو مستقبل مبشر، تحولت بلادنا إلى عالة على نفسها وعلى العالم وعلى التاريخ .
-إن ظاهرة الربيع العربي وفشلها الكارثي يعد ركنا اساسيا في حدوث انقلاب واعادة توجيه لخطط الحكم العربي حيال الشعوب العربية، لقد قادت هذه الحدثية وبقوة الى دفع الحكام العرب لوضع مصيرهم بين ايدي الصهاينة خوفا من سقوط مصيرهم بين أيدي شعوبهم وبالتالي تحولت دولة الكيان إلى حامي وضامن لبقائهم وحراستهم وفرضت إملاءاتها عليهم.
-تحطيم الدول العربية القوية، العراق وسوريا وتحييد مصر وتحويل الدول الصغرى الى مضرب المثل في الإذلال والامتهان والتبعية وتسخيرها لتكون ملهاة بيد دول عربية مارقة عابثة تمثل الوكيل الحصري للكيان الصهيوني بالنسخة العربية .
-اختراق الأنظمة العربية وتحويلها إلى أدوات تنفيذية لأجندات التحطيم المعنوي للشعوب وهذا حصل من خلال برامج البنك الدولي والخصخصة وبيع الممتلكات وتحويل البلاد الى مستعمرات للبنوك والشركات العولمية وبالتالي خلق غول الفقر والتهميش وتحويل حياة الناس الى شقاء ومكابدة ودوامة عذاب معيشي لا تنتهي كي لا تفكر بأكثر من طعامها وشرابها وكلف معيشتها .
-إفشال المشاريع النهضوية العربية ووضع العصي في دولايبها -النموذج المصري والعراقي والسوري والجزائري كان لابد من تحطيمها لمنع قيام أية بؤر مبشرة قادرة على انقاذ العرب ، تم إقصاء كل النماذج القيادية الصحيحة التي تمتلك مؤهلات الحكمة والعلم والمعرفة والخبرة والانتماء الحقيقي للداخل العربي وتم خلق مفهوم الإسلام السياسي كسلاح ذي حدين لمهاجمة الدين أو الشعور بالعار السياسي من تدخله في شؤون الحصانة الوطنية ، كان من الضروري ترقية وتمكين الساقطين والفاشلين والتافهين لمواضع الحكم والمسوؤلية .
- نشر جيوش المندسين في الوسط الحكومي العربي والذين تمكنوا بنجاح من تحقيق اعلى امنيات حاخامات بني صهيون ، ثلاثية : الفساد – الانحلال – التخريب الاخلاقي هي المنتجات الرئيسية لهؤلاء في الاوساط العربية ، لذلك سقط الاقتصاد العربي وفشل التعليم وتحطمت معالم القوة الداخلية.
- لم يكن عساكر العرب وأجهزة الأمن الخاصة بهم لتجسر على الاقدام على خطوات كبيرة الا بعد نفاذ المخدر في جسد الشعوب ، لقد تمت ترجمة أعراض الوهن وسقوط محددات المناعة الوطنية والعقائدية الى جرأة غير مسبوقة في سياسات التنازل والانبطاح والانقلاب على الثوابت والتاريخ ، تعرت كل أكاذيب التدين والوطنية والعروبة وانسلخ العقل الرسمي عن الجسد الشعبي الذي تم رميه في بئر الفقر والجهل والقبلية والتخلف المعيشي والمدني .