تدبر القرآن الكريم: ما الوسائل العملية المساعدة؟/ محمد رياض العشيري
هل توجد وسائل تساعدنا في تدبر القرآن الكريم وتفهم معاني آياته الكريمة؟
حتى لا يكون كلامي في تلك اليوميات نظريا أود أن أقترح هنا بعض الخطوات العملية التي آمل أن تساعد على فهم آيات القرآن الكريم ونتدبر معانيها.
وأولى تلك الخطوات أن نتعرف على النطق الصحيح لكلمات الكتاب المبين. وأقول ذلك لما قد يواجهه بعضنا من صعوبات أحيانا في قراءة الرسم العثماني، وهو الطريقة التي كتبت بها آيات القرآن الكريم. فهو يختلف عن الرسم الإملائي الذي نتعلمه في المدارس ونمارسه في الكتابة كل يوم.
وعلاقة صحة نطق كلمات القرآن بتدبر معانى الآيات علاقة وثيقة. إذ إن طريقة الرسم العثماني في كتابة بعض الأحرف قد توقع من لا يألفها في الخلط، وهذا الخلط بدوره يؤثر بلا شك في فهم المعاني.
فغياب حرف الألف مثلا، والرمز لها بألف صغيرة فوق مكانها في كتابة الفعل ”يخادعون“، قد يدفع القارئ إلى قراءتها ”يخدعون“، دون انتباه. وهذا يغير المعنى تماما.
ولكن كيف نتعرف على نطق كلمات القرآن الصحيح؟
ربما يكون نص القرآن الكريم هو النص العربي الوحيد الذي شُكل فيه كلُ حرف بطريقة تفترض قراءتَه كلَه قراءة متصلة. وقد يجد بعضنا صعوبة في متابعة قراءة نص كامل التشكيل. ولذلك أقترح أن نستعين هنا بحاسة أخرى، إلى جانب النظر وهي السمع، وأن نستمع إلى ما نقرأ والمصحف بين أيدينا.
فإذا كنا نقرأ – مثلا – الآيات العشرة الأولى من سورة البقرة علينا أولا أن نستمع إلى تلاوتها بصوت أحد القراء المجيدين من خلال أحد التطبيقات المتاحة هذه الأيام على هواتفنا المحمولة، ونحن نتابع ببصرنا نص الآيات في المصحف.
أما الخطوة الثانية فتتعلق بنسخة المصحف الذي سنقرأ فيه. إذ إنني أفضل أن نقرأ في مصحف تكون الآيات فيه مصحوبة على هوامش الصفحة بتفسير موجز ميسر، أو بشرح للكلمات التي وردت في الآيات. لأننا سوف نواجه أحيانا بكلمات أصبحت غريبة علينا، ولم تعد تستخدم في لغتنا الحالية.
ولا ينبغي لنا أبدا أن نفوّت أي كلمة مبهمة بالنسبة إلينا دون أن نعرف معناها، لأن معنى الآية بدون ذلك سيظل غامضا علينا.
وإذا كان أحدنا لا يحبذ القراءة في مصحف تزاحم الآياتِ في صفحاته هوامشُ مليئة بشروح أو تفسيرات، فعليه في هذه الحالة الاستعانة بمعجم لمعاني القرآن. وعليه أن يتوقف كلما قرأ آية ليبحث في معجمه عن معاني ما التبس عليه فيها.
ومن بين التفسيرات الموجزة التي أوصي بها تفسير الجلالين. أما معاجم شرح معاني كلمات القرآن فأرشح منها كتاب ”كلمات القرآن تفسير وبيان“ للشيخ حسنين محمد مخلوف.
وثمة تطبيقان آخران يعملان على الهواتف المحمولة أرشحهما، وهما: ”معاني كلمات القرآن الكريم“، و”شرح كلمات القرآن الكريم“.
إذا اتبعنا الخطوتين السابقتين استطعنا فهم المعنى العام للآيات. وحتى نبلغ مرحلة تدبر المعاني يجب العودة إلى كتب التفسير للاسترشاد بها ولاستيضاح بعض المسائل ربما ظلت غامضة علينا بسبب نزول آي القرآن الكريم في أوقات وملابسات متفرقة.
ويجب ألا نغفل أبدا دور ”سياق الآيات“ في توضيح المعنى. فحتى نفهم معنى آية معينة يجب معرفة ما سبقها وما تلاها من آيات. إذ إن ثمة ارتباطا عضويا بين الآيات.
واقتطاع آية، أو جزء آية، من سياقها ثم استقاءُ حكم منها وحدها، مسألة في غاية الخطورة تؤدي إلى الوقوع في أحكام خاطئة لا علاقة لها بالقرآن الكريم.
وثمة أمثلة كثيرة على ذلك، لكني أكتفي هنا بمثال واحد، وهو القول الشائع ”فاسألوا أهل الذكر“ الذي يظن كثيرون منا أن المقصود بهم ”العلماء“، وهذا غير صحيح.
وهذا القول جزء من آيتين قرآنيتين. أولاهما في سورة الأنبياء (آية ٧) وتقول: ”وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون“.
وثانيتهما في سورة النحل (آية ٤٣) وتقول: ”وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون“.
ويوضح سياق الآيات في الحالتين أن المقصود بـ”أهل الذكر“ هو ”أهل الكتاب“، أي اليهود والنصارى، وليس ”علماء الدين“، كما يريد بعض الناس. ولا غضاضة في إطلاق مصطلح ”أهل الذكر“ على من يسمون ”علماء الدين“ بالمعنى العام لمن أراد، لكن لا يصح أن ننسب ذلك إلى القرآن الكريم.
وهذا يبين لنا أهمية سياق الآيات في تدبر معاني آيات الكتاب المبين.