اصْطِنَاعُ الكَرَامَات../ أحمد المصطفى
تُورد بعض كتب التواريخ والتراجم والسير أن محمد بن تومرت صاحب دعوة “الموحدين” لقي في بداية دعوته، بعد رجوعه من المشرق الفقيهَ أبا عبد الله الونشريسي، وكان قارئا فقيها نحويا جميلا، فصحبه، واتفقا على أن يخفي الونشريسي علمه، ويتظاهر في هيئة الأُمِّي الأبله الذي يسيل ريقه على صدره، إلى حين..فكان الونشريسي يسير مع ابن تومرت على تلك الهيئة، وابن تومرت يقربه ويقول لأتباعه: “إن لله سرا في هذا الرجل سوف يظهر”، ثم تواطئا على أن يُظهر الونشريسي حفظه للقرآن والعلم دفعة واحدة، ليقوم ذلك مقام المعجزة لابن تومرت يستميل بها قلوب من لم يقطع له بعد بكونه المهدي المنتظر..
وذات يوم بعد صلاة الفجر قَدَّمَ ابن تومرت الونشريسي على أنه حفظ القرآن، وتفقه، وعلم، وصلحت هيئته وعقله، في ليلة واحدة، فتعجب الناس منه، وانقاد بذلك لابن تومرت كل صعب..
تُورد الكتب أيضا أن محمد بن تومرت عمد مرة أخرى إلى رجال من أنصاره فهيأ لهم قبورا، وترك فيها متنفسا مخفيا، وجعلهم فيها أحياء بترتيب مسبق معهم، مع وعد منه لهم بالإخراج والإكرام و المكانة عنده، على أن يقولوا إذا وقف عليهم بأتباعه – الذين صور لهم أنهم أموات: “قد وجدنا حقا ما وعدنا ربنا من مضاعفة الثواب على جهاد لمتونه (المرابطون) ونلنا باستشهادنا في ذلك أرفع الدرجات، فجدو في جهاد عدوكم، فإن ما دعاكم إليه إمامكم المهدي حق..”، فوقع من ذلك في نفوس اتباعه من التصديق به أمر عجيب، ولما انصرفوا خالف إلى “الممثلين” فهدم عليهم القبور، وصيرهم إلى الموت حقيقة، خوفا من أن ينكشف أمرهم..
تورد كتب التراجم والتواريخ أن المختار بن أبي عُبَيْد الثقفي الكذاب في حروبه وادعائه النبوة اتخذ كرسيا يحمله على بغل أشهب، ويقول: “هذا فيه سر، وهو آية لكم، كما كان التابوت لبني اسرائيل، فيحف به أنصاره يدعون”..ونقل الإمام الذهبي رحمه الله أن الكرسي كان لرجل زَيَّات، وأن طُفيل بن جعدة ابن هبيرة احتاج إلى مال، فزعم للمختار أن أباه كان يجلس عليه ويرى أن فيه أثارة من علم، فتسلمه منه وجعل عليه سترا، وأعطاه مبلغا من المال، فلما انتصر في المعركة الموالية افتتن الناس بالكرسي..
الروايات باصطناع أشياء من هذا القبيل موجودة في الكتب عن أشخاص من مختلف المنازع..
فِي فضائنا هذا أسَّسَت الأساطير، والكرامات المصطنعة بطرق شتى لأمجادٍ كثيرة، فَطِيبَةُ الإنسان فيه، وسلامة صدره، وميله بالفطرة إلى تصديق الأشياء من أول لحظة مَكَّنت لِلْمُخْتَلَقَات في ذهنيته..ويبدو أن ذلك لم ينقطع، بل إن تقنيات الاتصال والبرمجيات الحديثة فتحت فيه للناس “فتحا” جديدا، ورصيد التصديق لم ينفد، حتى صُدِّقَت صور صلاة على البحر..
هذا منشور سابق مُطَعَّم، استجد موجبه..