الغاز الموريتاني قراءة في الفرص والتحديات/ الإمام محمد محمود
بعد أشهر قليلة ستدخل سوق الطاقة العالمية أول دفعة من الغاز الموريتاني، لتشكل هذه الدفعة بداية دخول البلد إلى نادي الدول المصدرة للغاز، بعبارة أخرى، موريتانيا على وشك أن تصبح منتجا إقليما و عالميا للغاز وأحد اللاعبين في سوق الطاقة العالمي.
تقدر احتياطيات الغاز الموريتاني بـ 1400 مليار متر مكعب.سينتج حقل أحميم في مرحلته الأولى، والتي تستمر حتى عام 2025، 2.5 مليون طن سنويا ، وسيتضاعف هذا الانتاج في المرحلة الثانية ، والتي ستبدأ المناقشات الخاصة بها في نوفمبر المقبل ، بينما يتوقع وصول الانتاج إلى 10 ملايين طن سنويا خلال المرحلة الثالثة.
يقول Palzor Shenga نائب رئيس مركز بحوث الطاقة في جامعة ريستارد بكالفورنيا ، أن مشروع الغاز الطبيعي على الساحل الموريتاني سيكون أكثر مشاريع توسعة الغاز الطبيعي المسال تنافسية في العالم”.
ويضيف Shenga سيعزز هذا المشروع الضخم الإيرادات الحكومية بشكل كبير.يتوقع خبراء الاقتصاد أن تبلغ إيرادات الغاز 19 مليار دولار في أفق الثلاثين سنة القادمة. يوفر الغاز الجديد لموريتانيا فرصة لزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وخلق بيئة اقتصادية، منتجة و جاذبة للاستثمار.
زيادة الإيرادات الأجنبية المتولدة من الغاز ، ستمكن موريتانيا من تطوير قطاعات أخرى من الاقتصاد ، فهل تنج خطط موريتانيا في الاستفادة من المورد الجديد؟
أولا: تطوير قطاع التصنيع المعتمد على الغاز:
سيفتح تصدير الغاز فرصا جديدة لموريتانيا ، حيث سيمكن البلاد من تنويع الاقتصاد وزيادة خلق فرص العمل إلى أقصى حد وذلك عبر دعم النمو في القطاعات الاقتصادية وبخاصة القطاع الصناعي مثل :إنتاج الأسمدة ، وتصنيع البتروكيماويات ، وكذلك في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل التعدين والإسمنت وإنتاج الصلب،
ودعما لهذه الجهود أطلقت الحكومة الموريتانية خططا لتطوير ما يصل إلى 180 ميغاوات من توربينات الغاز ذات الدورة المفتوحة بحلول عام 2024 ؛ 120 من توربينات الغاز ذات الدورة المركبة (CCGT) بحلول عام 2026 ؛ و 310 ميغاوات من التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة بحلول عام 2027، تهدف الخطة لتعظيم استغلال موارد الغاز ، ويرى الخبراء أنه يمكن أن تغير هذه الخطط قواعد اللعبة للاقتصاد الموريتاني.
شكلت صناعات البتروكيماويات دفعا قويا لاقتصادات الدول المصدرة للغاز ومن ضمن التجارب الاقليمية في هذا الصدد الجزائر ، حيث دخلت شركة سونطراك الجزائرية في شراكة مع شركات صينية في مشروع استراتيجي لتطوير الصناعات البتروكيماوية بقيمة 521 مليون دولار، المشروع وفر 4 آلاف فرصة عمل وتصدير 5 مليارات دولار من المنتجات البتروكيماوية.
إن تطوير قطاعات الصناعات المعتمدة على الغاز، سيوفر لموريتانيا موردا اقتصاديا هاما موازيا لقطاع انتاج الغاز ، وسيحقق الاستفادة المثلى من إيرادات الغاز عبر إعادة استثمار جزء من هذه الارادات في مشاريع قطاع الصناعات البتروكيماوية.
ثانيا : استراتيجية تحويل الغاز إلى طاقة:
استراتيجية تحويل الغاز إلى طاقةمن ضمن الفرص التي يمكن التركيز عليها استراتيجية تحويل الغاز إلى طاقة كهربائية ، يمكن لموريتانيا توفير احتياجاتها المحلية من الكهرباء وتحقيق أهداف الوصول الشامل للكهرباء بحلول عام 2030 عن طريق هذه الاستراتيجية ، إن العمل على تعزيز البنية التحتية في مجال الطاقة يجعل من الغاز مكونا حاسما سيمكن البلاد من تعزيز وصول المستهلكين إلى الكهرباء، بل وتحقيق فائض يمكن استخدامه في النشاطات الصناعية الكبيرة.
إحياء مشروع محطة كهرباء حقل باندا
يهدف المشروع إلى إنتاج الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء ، المشروع قائم على تقليل التكلفة وزيادة السعة الانتاجية من الكهرباء لتحقيق أهداف 2030، كما يهدف المشروع إلى تحقيق التكامل الإقليمي من خلال صادرات الطاقة الكهربائية إلى كل من السنغال ومالي.
كان من المقرر أن يتم تكليف شركة Société de Production d’Electricité à partir du Gaz (SPEG) المملوكة للدولة بتشغيل المشروع ، قبل الإعلان عن إلغاء المشروعفي عام 2015 .في عام 2021 ، تم إحياء المشروع بتوقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة الموريتانية و شركة New Fortress Energy الأمريكية لإنشاء المحطة الجديدة بقدرة 120 ميجاوات ، بالإضافة إلى تزويدها بالغاز الطبيعي المسال ومن المتوقع أن يتم إمداد محطة الطاقة بالغاز الطبيعي المسال من احتياطيات الغاز الموريتانية.
ثالثا: عيون المستثمرين على موريتانيا:
نظرا للتقارير عن الاحتياطيات الكبيرة من الغاز على الشواطئ الموريتانية، و الموقع الاستراتيجي لنواكشوط وقربها جغرافيا من السوق الأوربية ، هذه العوامل شكلت تحفيزا مهما للمستثمرين الراغبين في الحصول على رخص التنقيب عن الغاز, في هذا الصدد تندرج اتفاقية تطوير حقل بير الله بين شركة بريتش بتروليوم وكوسموس والشركة الموريتانية للنفط والغاز ، يقع المشروع في المقطع رقم 8 ، وتصل سعة هذا الحقل ما يقارب 277 مليون قدم من الغاز.
في نفس الإطار تتفاوض موريتانيا حاليا بشأن تراخيص استكشاف ل 19 مقطعا بحريا يعقتد أنها غنية باحتياطات الغاز الطبيعي، هذه الوضعية تحتم على الحكومة الموريتانية العمل على تطوير خطوط الأنابيب والبنية التحتية وخاصة الموانئ ، واتباع استراتيجية وطنية لتعزيز خدماتها البحرية واللوجستية على مدنها الشاطئية وخاصة نواكشوط ونواذيبو، إن تحويل مدينة نواذيبو الشاطئية إلى مركز لمعالجة الغاز وتخزينه وتصديره يشكل ورقة قوية يمكن لموريتانيا من خلالها أن تكسب السوق الأوربية ، حيث أن أوربا تبث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر أمان بعد أن فكت ارتباطها بالغاز الروسي أو على الأقل حدت من اعتمادها عليه.
رابعا : خلق الإطار الاقتصادي المناسب لإدارة موارد الغازمن أكبر العوائق التي تواجه موريتانيا للاستفادة من إيرادات الغاز هو بناء نموذج اقتصادي قوي وشفاف لإدارة موارد الغاز ، ويتم ذلك من خلال اعتماد القواعد المالية السليمة والشفافة ، جنبا إلى جنب مع الإصلاحات الهيكلية الأخرى ، يمكن أن تشمل هذه الاصلاحات، تحسين كفاءة الإنفاق العام ، معالجة أنظمة أسعار الصرف بحيث تصبح أكثر مرونة ، وتحسين مناخ الأعمال من أجل تعزيز إنتاجية القطاعات غير الاستخراجية وجذب الاستثمارات ، ففي غياب هذه الإصلاحات الهيكلية والقواعد المالية السليمة ، سيرتفع سعر الصرف الحقيقي لموريتانيا ، وستنخفض قدرتها التنافسية ، وسيزداد عجز ميزانيتها.
إن سياسة الحكم الرشيد ونظام إدارة المالية العامة السليم والشفاف عناصر ضرورية لضمان الاستفادة من المورد الجديد. في هذا الصدد يوصي تقرير للبنك الدولي موريتانيا بتنفيذ إصلاحات مؤسسية واضحة ينبغي تطبيقها تدريجيا وتشمل هذه الاصلاحات:
– تضمين موارد الغاز في الميزانية لتجنب العمليات الخارجة عن الميزانية
– تعزيز الشفافية المالية.
– تمكين البرلمان و محكمة الحسابات من تقييم إدارة موارد الغاز.بالإضافة إلى ذلك ، لدى موريتانيا صندوق وطني للاحتياطات النفطية ، تأسس في عام 2006 لإدارة عائدات النفط المتأتية من حقل شنقيط النفطي.
توفر الإيرادات المتوقعة من مشروع أحميم فرصة مثالية لتحويل هذا الصندوق من حساب توفير إلى مؤسسة مالية أكثر نشاطا، وسيتطلب ذلك إعادة التفكير في هيكلة الصندوق واختصاصاته ، واعتماد قواعد إدارة بسيطة ومحددة ، وتعزيز حوكمة الصندوق.
على سبيل المثال ، يجب إجراء عمليات التدقيق المدرجة في القانون 2008-20 في الوقت المناسب ، كما يمكن لموريتانيا أيضًا الاستفادة من هذه الفرصة لتبني استراتيجية تقوم على محفظة استثمارية أكثر تنوعًا وأفضل أداء.
خامسا: هل يصلح الغاز ما أفسد الفساد؟سجلت موريتانيا خلال السنوات الماضية تراجعا حادا على مستوى المؤشرات الاقتصادية ، حيث تراجعت القدرة الشرائية ، وزادت نسبة البطالة و تفاقم الدين الخارجي، أغلب التقارير الدولية ، BTI الألمانية ، Global Competitiveness Index ، أرجعت تدهور مؤشرات الاقتصاد إلى الفساد المنتشر في مختلف قطاعات الدولة، وسجلت مؤشر الفساد Corruption Index 30 نقطة من أصل 100، وهي نتيجة دون المعدل المتوسط والمحدد ب 44.5 نقطة. فيما سجل مؤشر التنمية البشرية 0.54 لتحل موريتانيا المرتبة 157 عالما في مؤشر التنمية، ويعيش أكثر من 24.1% من السكان بأقل من 3.2 دولار في اليوم.فهل ينجح الغاز فيما فشلت فيها الموارد الأخرى الحديد والذهب والنحاس ؟