المهمة المستحيلة.. كيسنجر وترويض الصين/ اسيا العتروس
21 يوليو 2023، 03:53 صباحًا
كل الطرق تؤدي إلى الصين وهذا ما تؤكده بوصلة إدارة البيت الأبيض في هذه المرحلة وبعد وزيرة المالية في حكومة بايدن وزيارة جون كيري المسؤول عن إدارة المناخ جاء دور مستشار الأمن القومي الأسبق ووزير الخارجية الملقب بثعلب الديبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر الذي احتفل بعيد ميلاده الواحد بعد المائة والذي تلجأ إليه واشنطن في محاولة لتطويق الأزمات وتطويع العملاق الصيني وربما ضمان حياد بيكين في اعقد واخطر أزمة تقودها أمريكيا في خضم الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها الأمنية والإستراتيجية والاقتصادية على أكثر من منطقة في العالم.. ولعل المثير فعلا أن تعود واشنطن الى الدفع بكيسنجر الى سطح الأحداث لتعبيد الطريق نحو بيكين وربما لمحاولة استقراء توجهات المنافس الصيني.. أن تكون للزيارة صبغة رسمية أو غير رسمية فقد لا يكون الأمر مهما والاهم أن كيسنجر المبعوث الأمريكي الى الصين التقى وزير الدفاع الصيني ما يمنح الزيارة بعدا أعمق مما يبدو ويجعلها أكثر من زيارة مجاملات أو إحياء لصداقة قديمة.. زيارة المسؤول الأمريكي السابق الى الصين في مثل هذا التوقيت ما يدفع الى استحضار البيان الختامي لقمة الحلف الأطلسي الأسبوع الماضي في العاصمة الليتوانية فيلنيوس والتي حدد الخطر الأكبر على الحلف بعد روسيا والإرهاب في الصين ثم إيران.. وقد ذكر البيان الختامي لقمة الناتو الصين في أكثر من بند واعتبر ان ما تتجه اليه الصين من تعزيز قدراتها العسكرية بات امرا مثيرا للمخاوف فضلا عن تدخلات الصين وامتدادها في افريقيا وفي منطقة الشرق الاوسط..
آخر زيارة للمسؤول الأمريكي السابق كانت عام 2019 قبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عندما استقبله الرئيس شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى بميدان تيان ان مين ما يؤكد مكانته لدى الصين وما يمكن أن يفسر العودة إليه في هذه المرحلة رغم تقدمه في السن وابتعاده عن السياسة ..
كيسنجر الذي يعود مجددا الى الصين في مهمة رسمية تبدو معقدة وإن لم تكشف تفاصيلها اعتبر أن عالم اليوم يحتاج لتعايش بين التحديات والفرص بما يمكن أن يضمن للولايات المتحدة والصين بإزالة سوء التفاهم والتعايش سلميًا وتجنب المواجهة..الى هنا يبدو صوت الحكم والديبلوماسية ملازما للديبلوماسي الأمريكي الذي خبر الأحداث العالمية طوال أكثر من سبعة عقود وعايش الحرب العالمية الثانية وبقية الحروب التي خاضتها أمريكا من فيتنام الى العراق وأفغانستان وليبيا بما يعني أن في سجل الرجل من المعلومات والأسرار ما يجعله الصندوق الأسود لكل المخططات والأحداث التي تركت بصماتها بعمق في مصير الكثير من شعوب العالم.. ما يدفع للتساؤل عما إذا كان لما بقي للرجل من قدرة على متابعة وفهم تطورات عالم اليوم تأثير على علاقات بلاده بالتنين الصيني الذي يواصل التمدد ويستمر في مساعيه لكسب ود وصداقات وثقة مختلف شعوب العالم التي تبحث عن مخرج لأزماتها ..
ليس من الواضح الى ماذا ستؤول مهمة كسينجر وهل سينجح في الدور الذي أعاده الى الأضواء أو ما إذا كانت الزيارة الى الصين مجرد صورة تريدها واشنطن لتوجيه رسائلها الى أكثر من طرف وأولها روسيا الحليف للصين ..
يبقى من الواضح من الجانب الصيني أن بيكين فهمت مقتضيات اللعبة وقد كشف كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يى، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الزائر هنري كيسنجر أمس، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى “حكمة دبلوماسية على غرار كيسنجر” لمراجعة العلاقات الثنائية التي بلغت أدنى مستوياتها تاريخيا…
تصريحات المسؤول الصيني وانج، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، لم تغب عنها اللياقة الديبلوماسية إزاء من وصفه بالصديق القديم في إشارة الى دور كيسنجر في سبعينات القرن الماضي في إذابة الجليد وتقريب المواقف وتهيئة المناخ لزيارة الرئيس نيكسون الى الصين …
ولكن آداب الضيافة الصينية وشروط اللياقة الديبلوماسية لم تمنع المسؤول الصيني من تذكير الزائر بالخطوط الحمراء لبيكين وأنه سيكون من المستحيل تطويق الصين ومن المستحيل التخلي عن سياسة الصين الواحدة في تذكير واضح بان علاقات بيكين وواشنطن محكومة برفع الإدارة الأمريكية اليد عن ملف تايوان.. التحولات المناخية بدورها لم تغب عن اللقاء ولكن ما لم يكشف الطرفان في هذا اللقاء يذهب بالتأكيد الى ما يمكن أن تطلبه واشنطن من بيكين في علاقة بروسيا وبالدعم الصيني لبوتين في حربه المفتوحة مع أوكرانيا ومع الغرب ..