انعكاسات موجات النزوح داخل مالي باتجاه الحدود الجزائرية/ محمد الفقي
أسفرت استعادة فرع تنظيم “داعش” الذي يسمى “ولاية الساحل” نشاطَه العملياتي في مالي خلال عام 2022، عن إرباك للمشهد في منطقة الساحل الأفريقي التي تتسم بالتعقيد، خاصة مع رغبة فرع التنظيم في تعزيز وتوسيع نفوذه عبر الحدود بين مالي والنيجر وبوركينافاسو.
وقد أقدم التنظيم على تنفيذ سلسلة من العمليات في مالي، لمهاجمة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية لتنظيم “القاعدة”، إضافة إلى استهداف حركات أزوادية، بغرض إضعاف نفوذهما. وتتجاوز تداعيات النشاط العملياتي لفرع “داعش” تصعيد حالة العنف والاضطرابات الأمنية إلى مهاجمة المدنيين في مالي، في إطار رغبته في رفع معدلات النزوح الداخلي في الدولة.
وقد كشفت تقارير إعلامية، في 8 يوليو الجاري، عن نزوح 7500 شخص عقب هجمات فرع “داعش”، قبل أشهر، وتحديداً منذ الشتاء الفائت، إذ يتوزع اللاجئون بين كيدال وبلدة تينزواتن القريبة من حدود الجزائر، وهي أوضاع تفرض تحديات أمنية على الجزائر خلال الفترة المقبلة، خاصة مع احتمالات زيادة أعداد النازحين، على وقع هجمات “ولاية الساحل”.
وانطلاقاً من ذلك، عقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اجتماعاً لما يُعرف بـ”المجلس الأعلى للأمن المصغر”، في أول يونيو الفائت، للتباحث بشأن التطورات التي تشهدها حدود البلاد، على نحو يعكس تزايد القلق من انعكاسات حالة الهشاشة الأمنية في بعض دول الجوار، وتحديداً مالي، على الجزائر.
المصدر: بيانات تنظيم “داعش” عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تداعيات محتملة
تفرض طبيعة الأوضاع القلقة في مالي، وتحديداً بعد حالات النزوح الجماعي باتجاه الحدود الجزائرية، عدداً من التداعيات المحتملة على الجزائر، يتمثل أبرزها في:
1- تصاعد التهديدات الأمنية على الحدود: تشترك الجزائر مع مالي في حدود طويلة بحوالي 1358 كم،ولذلك تمثل الاضطرابات الأمنية بفعل النشاط الإرهابي في مالي، إضافة إلى أزمة العلاقة بين الحكومة وحركات تحرير أزواد، أحد أبرز التحديات التي تواجه الجزائر على مدار سنوات طويلة، خاصة مع اتساع نطاق الحدود بين الدولتين.
ومع حالات النزوح الداخلي لأعداد كبيرة باتجاه إحدى النقاط الحدودية الجزائرية، فإن ذلك من شأنه زيادة التحديات الأمنية، ومضاعفة القلق لدى السلطات الجزائرية في ضوء احتمالات تزايد الأعداد، وعدم قدرة الجيش المالي على تأمين الجانب الآخر من الحدود.
وركزت الجزائر خلال العامين الماضيين على تأمين حدودها مع الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً، بالتوازي مع استمرار الاضطرابات داخل مالي، بما يؤثر سلباً على تأمين الحدود من قبل الجيش المالي، خاصة في مناطق أزواد شمالي البلاد، وقد اتجهت الجزائر لتوقيع اتفاق عسكري مع النيجر، في 17 يوليو 2018، لتأمين الحدود عبر تسيير دوريات مشتركة.
2- تدفقات النازحين وتأسيس واقع دائم: تشير تقارير إعلامية إلى الأوضاع المعيشية الصعبة والمتردية للنازحين باتجاه الحدود مع الجزائر منذ أشهر، إذ يعيش النازحون مع تراجع الإمدادات اللازمة للحياة. ومن شأن استمرار الأوضاع الحالية أن تدفع بعض النازحين إلى محاولة اختراق الحدود الجزائرية، بحثاً عن الاحتياجات الأساسية، وهو ما يفرض تحديات أمام الجزائر، في ظل تدفق الآلاف على الحدود المشتركة، وعدم قدرة الحكومة في مالي على تقديم المساعدات لهم.
وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد احتمال تحول الوضع المؤقت لانتشار المخيمات عبر الحدود إلى وضع دائم، خاصة مع استمرار الاضطرابات والعمليات الإرهابية، وتفاقم الصراعات الداخلية، وانعكاساتها على المدنيين، مع عدم إغفال انتهاء مهمة قوات حفظ السلام الدولية “مينوسما” بطلب من الحكومة في مالي، والتي كانت تضطلع بشكل رئيسي بتوفير قدر من الحماية للمدنيين، ومع غياب تلك القوات فإنه يتوقع زيادة معدلات النزوح.
3- انتشار الأمراض والأوبئة عبر الحدود: يعاني النازحون من نقص الرعاية الطبية في المخيمات التي يقيمون فيها على الحدود مع الجزائر، وبالتالي فإن ثمة خطورة تتعلق بانتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين، وهو ما يمثل تهديداً للحالة الصحية، خاصة في ظل احتمالات انتقال تلك الأمراض إلى الجزائر، مع حركة العبور الطبيعية بين البلدين عبر المنافذ الحدودية الرسمية.
ويشهد عددٌ من الدول انتشاراً للأوبئة والأمراض، في ظل نقص الرعاية الطبية للنازحين أو اللاجئين الذين يقيمون في مخيمات، مثل تفشي “الكوليرا” في مخيمات السوريين في لبنان خلال عام 2022، مع نقص أدوات النظافة والمياه.
4- ارتدادات الفوضى وتنفيذ عمليات إرهابية: قد تدفع حالة الفوضى بالقرب من حدود الجزائر التنظيمات الإرهابية إلىمحاولة استغلالها لتنفيذ عمليات استهداف للجزائر، وتحديداً مهاجمة دوريات أو نقاط عسكرية على الحدود، أو التسلل باتجاه مناطق حدودية واستهداف المدنيين.
وقد تستغل التنظيمات الإرهابية الوضع المضطرب على الحدود، والأوضاع المعيشية السيئة للنازحين، لاستقطاب عناصر جديدة، أو زرع أخرى بين النازحين بهدف تجنيد عناصر جديدة، أو تنفيذ عمليات خاطفة باتجاه الجزائر، مع صعوبة السيطرة الأمنية على المخيمات.
وربما تتجه التنظيمات الإرهابية لاستقطاب عناصر جديدة من بين النازحين، بتقديم إغراءات مالية، أو الوعود بأوضاع معيشية أفضل حال الانضمام لها.
5- توفير غطاء لعصابات الجريمة المنظمة: تزيد الأوضاع المضطربة بعد تدفق النازحين على الحدود مع الجزائر من توظيف عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود العاملة في تهريب البشر والأسلحة والمخدرات لهذا الوضع لصالحها في زيادة معدلات اختراق الحدود بين مالي والجزائر، وتعزيز نشاطها في التهريب.
وتفرض الأوضاع الأمنية الهشة في القارة الأفريقية فرصة لعصابات الجريمة المنظمة، وتوفر منطقة الساحل التي تتداخل فيها الأطراف الفاعلة وتتباين استراتيجيات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة فرصة مناسبة لتلك العصابات، وهو ما يفرض تهديداً مباشراً لأمن الجزائر خلال الفترة المقبلة، مع انشغال دول الجوار بمواجهة التحديات الأمنية المرتبطة بالنشاط الإرهابي، وتراجع الاهتمام بضبط الحدود، في ظل غياب منظومات لتأمين الحدود، مع الطبيعة الإثنية والعرقية في أفريقيا، نتيجة امتداد القبائل بين حدود الدول، بما يصعب من عمليات غلق الحدود والسيطرة عليها.
انخراط متزايد
تواصل الجزائر منذ سنوات انخراطها في الأزمة المالية، خاصة مع رعاية اتفاق سلام بين الحكومة وحركات أزواد عام 2015، وتضغط للحفاظ على عدم انهيار هذا الاتفاق، رغم الصعوبات التي تحول دون تنفيذ مخرجاته لعدة عوامل. وربما تعمل الجزائر على تعزيز دورها خلال الفترة المقبلة في ضوء تزايد التهديدات الأمنية المتداخلة على حدودها الجنوبية بعد تدفق النازحين.
ويتضح من تحركات الجزائر دبلوماسياً وعسكرياً خلال العامين الماضيين، على مستوى دول الجوار، والرغبة في تأمين الحدود مع الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً، سعيها إلى مواجهة الارتدادات المحتملة لحالة الفوضى والهشاشة الأمنية على حدودها الجنوبية، خاصة مع تداخل التحديات التي تفرضها أنشطة الجماعات المتمردة والتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
المصدر