العراق يبدأ في استعادة الدور الإقليمي المؤثر/ فاطمه عواد الجبوري
14 سبتمبر 2023، 19:08 مساءً
استقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وفداً مؤلفاً من مجموعة واسعة من الصحفيين والمراسلين التابعين لوسائل إعلام إيرانية وبالطبع جاء هذا اللقاء بعد الحدث الديني الأكبر الذي يشهده العراق في كل عام وهو “أربعينية” الأمام الحسين. يجب الإشارة إلى أنه، على الرغم من جميع الجهود والمساعي التي تقوم بها الولايات المتحدة لاحداث الفتن بين البلدين الجارين، إلا أن هناك إدراك عميق لحالة الوحدة الثقافية والاجتماعية والروابط التي تجمع البلدين والتاريخ المشترك لهما.
تمثل مثل هذه الاجتماعات نقطة تحول مهمة واستراتيجية على مستوى “الدبلوماسية الإعلامية والدبلوماسية العامة”، والتي أهملتها الحكومات السابقة ولم تعطيها القيمة الذاتية التي تستحقها. ولاهمال هذا الجانب المهم والذي يمكن أن يطور العلاقات بين دول الجوار ويعزز التعاون المشترك في سبيل حل المعضلات التي تواجه إيران والعراق من جهة أو تؤثر في علاقات العراق مع الدول الإقليمية علينا أن نسلط الضوء على مفهوم وتطبيقات هذه الأنواع من الدبلوماسية.
في التعريف يمكن القول بأنّ الدبلوماسية العامة هي: الجهود التي تبذلها الحكومات أو المنظمات غير الحكومية للتواصل مع الجماهير الأجنبية والتأثير عليها من أجل تعزيز صورة بلدها وقيمها وسياساتها. وينطوي ذلك على استخدام قنوات مختلفة، مثل وسائل الإعلام والتبادلات الثقافية والبرامج التعليمية ووسائل التواصل الاجتماعي، للتعامل مع الأشخاص في البلدان الأخرى وبناء علاقات إيجابية معهم.
بناء على التعريف السابق، فقد فهمت الحكومة العراقية أهمية التعاون مع دول الجوار وتفادي الأفخاخ التي تنصبها لها الولايات المتحدة مثل قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدولة الجارة إيران والتي تزود العراق بكميات هائلة من الغاز والكهرباء والتي تعجز الولايات المتحدة عن تأمينها لا بل تعمل على عرقلتها في بعض الأحيان. كما أن العلاقة ليست ذا طرف واحد بل هي علاقة ذات نفع مشترك إذ أن السوق الإيرانية تعتبر سوقاً مناسبة للبضائع العراقية. كما أن العراق يستفيد بشكل كبير من المشتركات الدينية فالشعائر الدينية التي تقام في العراق ليست حكراً على الطائفة الشيعية بل أن جميع الطوائف تشترك بتقديس هذه الشعائر الدينية وأربعينية الأمام الحسين هي أكبر مثال على ذلك فهي حالة دينية مشتركة بين جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية. وبعيداً عن الجانب الديني فالعراق يستفيد بشكل كبير من الزوار الإيرانيين، فبحسب الإحصائيات الرسمية فقد شارك في هذه الشعائر أكثر من 22 مليون شخص في أكبر حدث وتجمع يحدث في منطقة واحدة حول العالم. كما أن الزوار الإيرانيون الذين عبروا الحدود إلى العراق وصل إلى ما يقارب 4 مليون زائر بزيادة 12% عن العام الماضي.
وبالعودة إلى دور العراق الإقليمي، فقد ناقش السوداني مع الوفد الإعلامي الإيراني، موضوع العلاقات الإقليمية ودور الوساطة العراقية بين إيران ودول الجوار العربية، وهذا يؤكد مرة أخرى على أهمية دور العراق الإقليمي بوصفه يمتلك علاقات جيدة مع كل من إيران والدول العربية. كل ذلك جاء بعكس ما تروج له الولايات المتحدة من العراق لا يملك القرار الوطني. وهنا أيضاً علينا التأكيد على أنه إذا تخلص العراق من الوصاية الأمريكية المخربة فهو سيستعيد دوره الإقليمي والدولي بشكل كبير وسيكون جزء مهم من أي تسويات سياسية قادمة أو روابط اقتصادية مشتركة ومتعددة الجوانب.
في الختام يجب القول بأنّ العراق يتجه نحو استعادة الدور الإقليمي المهم الذي كان يتمتع به تاريخياً، وعليه فلا بد من صقل هذا الدور من خلال اتباع استراتيجية الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة ومن ثم استثمار العلاقات التاريخية والاقتصادية والعوامل المشتركة مع دول الجوار لنكون جزء من أي توافقات أو معادلات إقليمية قادمة. ولا بد كذلك من الإشارة إلى أن هناك تحديات كبيرة أمام هذا الدور تتمثل في دور اللاعبين الدوليين في تعميق التفرقة والتجزئة والصور النمطية السلبية التي تحاول رسمها حول علاقات العراق مع دول الجوار. ولذلك فإن النهج الصحيح هو الدفع نحو علاقات أمتن مع جميع الدول العربية ودول الجوار كإيران وفي الوقت ذاته مواجهة الجهود السلبية التي تمارسها الولايات المتحدة لإبقاء الوصاية على العراق العظيم.