جميل منصور يكتب عن قانون النوع والجدل المثار حوله
تابعت النقاش الدائر حول مصفوفة القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة والفتاة “كرامة” ورأيت سيلا من المبالغات والإطلاقات لاتليق بالمقام، ومع أنني أعرف أن القانون سيمر على الحكومة ثم البرلمان، وأنه مر على مجلس الفتوى والمظالم وسيمر على هيئة العلماء، والمفروض أن تعالج اختلالاته ونواقصه في هذه المحطات، فإنني رأيت أن أدلي برأي في هذه المسألة التي تحولت إلى قضية رأي عام:
1- ليس صحيحا أن المجال لايحتاج إلى تقنين، وليس علميا أن الشريعة الإسلامية لاتتيح هذا التقنين، وليس دقيقا أن الترسانة القانونية الوطنية تغني عن مثل هذا القانون، ومن هنا ليس الإشكال في وجود القانون ولا في الحاجة إليه، وإنما في مضمونه ومخالفاته.
2 – حين نتحدث عن المجتمع الموريتاني فإننا نتحدث عنه كله، ثم إن العنف ضد المرأة موجود في مختلف المكونات والمناطق، وأكثر من ذلك تسن القوانين خصوصا الرادعة للمنحرفين من الناس وللذين يظلمون ويعتدون، ومن هنا على الخيرين الذين لا يعرفون هذه الظواهر السيئة ( تعنيف المرأة وحرمانها من بعض حقوقها….) أن يفهموا أن لهذه القوانين دوافعها وميدان تطبيقها.
3 – لايمكن إنكار التحسينات التي وردت على النسخة الجديدة من مشروع القانون عنوانا وحذفا لبعض المواد وتعديلا في أخرى، صحيح ليست كافية، ولاتنفي عن القانون سوء فيه ومخالفة لبعض قيم المجتمع وضررا واضحا على الأسرة وسكينتها وألفتها، ومن هنا يكون الاستمرار في التعديل والتصحيح أولى، فإقراره على حاله هذا مفسدة وإلغاؤه بالكلية مفسدة، وفي التوسط والاعتدال خير كثير.
4 – أهم الملاحظات الجزئية تتوجه إلى المادتين 24 و25 من مشروع القانون فالأولى تساوي بين الاغتصاب ومحاولته، والثانية تعتبر اللمس المتكرر للمحارم محاولة للإغتصاب ويعاقب بعقوبة محاولة الاغتصاب
وفي هذا مبالغة وتكلف وفتح المجال لتصفية حسابات، الناس في أسرها وأرحامها في غنى عنها.
5 – أهم الملاحظات الجوهرية تتوجه إلى المادتين 35 و55 من مشروع القانون فالأولى تفتح بابا، الشهادات تترى على خطره على المجتمعات والأسر، يقول مشروع المادة: ” يعاقب بالحبس من سنة(1) إلى سنتين (2) وبغرامة عشرة آلاف (10000) إلى عشرين ألف (20000) أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يحرم امرأة أوفتاة من ممارسة الحقوق التي يكفلها القانون ” فهذه المادة تشجع التمرد على مسؤوليات الأب والزوج، ونحن في عالم نعرف كم هي فيه مشجعات التمرد والعقوق، والأولى إلغاء هذه المادة أوتقييدها بالشرع، أما تركها على هذا النحو فمفسدة عظيمة.
أما المادة 55 فتقول “يلغي هذا القانون جميع الأحكام السابقة المخالفة” وقد فهم كثيرون في هذه المادة خطرا على مدونة الأحوال الشخصية، وبغض النظر عن مدى السلامة القانونية في هذا الفهم، فإنه لاضرورة لهذه المادة خصوصا أن مناصري القانون يؤكدون أنه يسد فراغا ولايعدل في قائم.
6 – بقي لي أن أعيد اقتراحا سابقا بمادتين عامتين، تشكل إضافتهما تحصينا يطمئن الحادبين على دين وقيم هذا البلد، ويمنع التأويل السيء الذي لا سكينة معه في الأسر والمجتمعات.
بالنسبة للأولى أقترح : ” كل الحقوق والعقوبات الواردة في هذا القانون منضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية مقيدة بأحكامها ، فأي تكييف لحق أو عقوبة يخالف مقتضى الشريعة الإسلامية ساقط بقوة القانون “
وبالنسبة للثانية أقترح : ” تطبق الحقوق والعقوبات الواردة في هذا القانون على نحو لا يضر تماسك الأسرة التي تعد المحافظة عليها وعلى الألفة داخلها هدفا أساسيا لهذا القانون “
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
محمد جميل منصور