“المسيحيون المهاجرون يدفنون أهاليهم” / باسل قس نصر الله
يأتيهم – وهم في مُغترباتهم القسرية – أن والدهم أو والدتهم .. قد ماتوا.
- سنأتي .. لكن أخّروا مراسم الدفن.
فقط هذه هي الحالة التي تجعلهم يأتون من بلاد الله الواسعة التي هربوا إليها من الحرب في سورية.
فقط وفاة الوالد أو الوالدة تجعلهم يعودون ليشاركوا في الوداع، وهم يعرفون أن رجوعهم سيصبح قليلاً، وأن ما يربطهم بهذه الأرض بدأ يتلاشى.
يعودون ليدفنوا موتاهم
ثم يعودون ليبيعوا أملاكهم.
ثم يختفون.
فقط الأب والأم يُجبرونهم على العودة.
أما أولادهم فلا ولن يعودوا.
تراب مقابرنا، و”توابيت” أهالينا، وصلوات كهنتنا، وبخّور كنائسنا، هي الذكريات الأخيرة التي سيحملونها، وبعدها ينقطع كل شيء، فحياتهم الجديدة ورفاق أولادهم وتراب مدنِهم الجديدة ستُنسيهم رائحة أرصفتهم وشوارعهم بعد أول هطول للمطر، وستنسيهم مياه المزاريب الحجرية المعلقة بأسطح البيوت.
أتذكّر في بدايات الأزمة السورية .. أن المسيحيين إلى بيروت ..
لسنا بحاجة اليوم إلى بيروت أو غيرها .. فلقد هاجر الأبناء وركّزوا أوضاعهم وبدأت عمليات لمّ الشمل التي عرفها جميع السوريين.
إننا نغادر سورية إلى مدافننا وقبورنا.
يزورنا أولادنا ثم تقلّ وتيرة الزيارت وتنعدم.
نحن سنبقى في تراب سورية
وأولادنا وأحفادنا في بلادٍ أحرى ومقابر أخرى وصلباناً جديدة.
نحن الذين حملنا صلباننا في سورية وتركنا اولادنا يغادرون .. سنصبح بعد فترة من الزمن “نسياً منسيا”.
لن يتذكرنا من سيمرّون على قبورنا ولن يعرفنا أحد.
سنبقى في ذكريات أولادنا فقط.
وسنكون غرباء حتى في أرضنا
اللهم اشهد اني بلّغت