من هم أعداء «الطوفان» وكيف يظهرون عِداءهم؟
تنقسم القوى المعادية لـ«طوفان الأقصى»، على المستويات المحلية
والإقليمية والدولية، إلى صنفين أساسيين؛ أعداءٌ علنيون، وأعداءٌ مستترون. أما العلنيون فليس من الصعب حصرهم؛ على رأسهم واشنطن ومعها القسم الأعظم من الحكومات الغربية وحكومات «اتفاقات أبراهام»، والذين لا يحاولون مداراة عدائهم ليس للمقاومة الفلسطينية فحسب، بل ولفلسطين
والشعب الفلسطيني الذي لا يكتفي بالوقوف سداً منيعاً في وجه كل مخططاتهم، بل ويقوم أيضاً بنسفها من أساسها.
أما الأعداء المستترون، فهم كثر ومنتشرون في أوساط ودول عديدة.
الجامع الأساسي بينهم هو أنهم من المستفيدين غير المعلنين من المنظومة الدولية القائمة ومن الدور الأمريكي الصهيوني فيها. وإذا حصرنا الحديث في سورية، فإن أعداء طوفان الأقصى موجودون ضمن المتشددين في طرفي المعادلة السورية، والذين يعبرون عن عدائهم من خلال طروحاتهم
وبرامجهم وسلوكهم.
على ضفة المتشددين ضمن النظام، يجري التعبير عن هذا العداء
عبر مواصلة إعاقة إنهاء الكارثة السورية، عبر مواصلة منع تنفيذ القرار 2254 والاستمرار في تعطيل تسوية العلاقة بين سورية وتركيا، وهو السلوك الذي يمنع استعادة سورية لموقعها الطبيعي ضمن الصراع مع الصهيوني، ويعطّل قدرة سورية على لعب دورها التاريخي. وهؤلاء يعادون
طوفان الأقصى ليس لأنه يضعهم في «موقف حرج» فحسب، بل وأهم من ذلك، لأنه عبر تخفيضه لدور الأمريكان والصهاينة، ينسف كل الرسمات التي يقدمها الغرب من تحت الطاولة ومن فوقها من نمط «خطوة مقابل خطوة»، التي تمثل نسخةً خاصة بسورية لتأدية مهمتين متوازيتين: نسف 2254 ومعه
كل فكرة الحل السياسي والاستعاضة عنها بتحويل تقسيم الأمر الواقع إلى تقسيم مستدام مقابل «ضمانات» لأصحاب الإقطاعات بالحفاظ على إقطاعاتهم، هذا من جهة، ومن الجهة الثانية بوصفها (أي الخطوة مقابل خطوة)، الإخراج الخاص بسورية لاتفاقات أبراهام.
على ضفة متشددي المعارضة، وإضافة إلى تخوفاتهم من إظهار أي
دعم للقضية الفلسطينية خوفاً على التمويل، فإنّ ما هو أهم من ذلك أنهم يحاولون بكل شكلٍ من الأشكال الهجوم على حلفاء المقاومة الفلسطينية الحقيقيين على المستوى الإقليمي، ويعمدون لشيطنتهم، كما لو كانوا يقومون بذلك لتبرير جرائم الاحتلال أو التخفيف من وقعها. وليس
صعباً تفسير هذا السلوك، فمتشددو المعارضة ربطوا وجودهم وسلوكهم بالغرب وبواشنطن خاصة، وهم واقعون في حرجٍ ما بعده حرج أمام عموم السوريين. وإنْ كانوا ليسوا ممن يصيبهم الحرج، فالأكيد أنهم يعرفون أنّ تراجع الأمريكي والغربي ما بعد الطوفان سينعكس عليهم هم أيضاً مزيداً
من التراجع والضعف.
بعيداً عما تقوله الأنظمة وما تقوله القوى السياسية عن «أفضالها»
على الشعب الفلسطيني وعلى دعم مقاومته، فالحقيقة هي أنّ الشعب الفلسطيني ومقاومته هو صاحب فضلٍ كبير على شعوب المنطقة، وعلى الشعب السوري خاصة؛ لأنّ نضاله الذي يخوضه اليوم ليس دفاعاً عن فلسطين فحسب، بل وهو دفاع عن وحدة سورية أيضاً، لأنّه ينسف جملة المشاريع الغربية
الصهيونية التي تطبخ فوق وتحت الطاولة مع المتشددين السوريين من كل الأطراف. وإذ ينبغي للقوى الوطنية السورية أن تعترف بهذا الفضل، فإنّه ينبغي عليها وعلى عموم الوطنيين السوريين، الدفع بعزيمة أكبر لاستعادة سورية لدورها في معركتها الوجودية ضد الكيان الصهيوني، والذي
لا يمكن استعادته دون امتلاك الإرادة السياسية لخوض المعركة، وهذه بدورها تتطلب تغييراً جذرياً شاملاً على أساس الحل السياسي، على أساس التنفيذ الكامل للقرار 2254، وبالتعاون مع القوى العالمية والإقليمية الصاعدة، وبالاستفادة من الاصطفاف الذي بات بفضل الطوفان أكثر
وضوحاً على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي.
نقلا عن صحيفة قاسيون