غزة: درس آخر في مستقبل تحكمنا في التكنولوجيا…
كَتبت وكالة “بلومبرغ” للأنباء هذا الأسبوع أن الطائرات بدون طيار المُتاحة عبر الانترنت بمبلغ 6500 دولار وما رافقها من تحوير في التكنولوجيا مَكَّنت المقاومة الفلسطينية من تخطي السياج الحدودي الذي كلف الاحتلال أكثر من مليار دولار، وهي الآن تُساعدها على الوقوف في وجهة أكبر ترسانة عسكرية في العالم…
وفي وقت سابق يوم 22 نوفمبر الماضي كتبت foreign affairs في مقال لها بعنوان Hamas’s Asymmetric Advantage (الميزة غير التناظرية التي تتمتع بها حماس) ما يلي: “استخدمت حماس طائرات تجارية صغيرة بدون طيار لإسقاط قنابل يدوية على أبراج المراقبة الإسرائيلية وعلى الرشاشات التي يتم تشغيلها عن بعد.
ويمكن شراء هذه الطائرات بدون طيار عبر الإنترنت، ويمكنها تجنب أنظمة الرادار الإسرائيلية عن طريق التحليق ببطء وعلى مقربة من الأرض. وكان هجوم حماس ناجحاً، لأنه غمر الدفاعات الإسرائيلية بأسلحة رخيصة يَسهل الوصول إليها”.
وهذا يعني أن هناك اليوم تَجديدا لطرح ما يُسمِّيه الغرب مخاطر الاستخدام المزدوج للتكنولوجيا المُتقدِّمة، وإعادة للواجهة لمسألةٍ ذات أهمية قصوى في عالم اليوم تتعلق بمدى قدرة الغرب على احتكار التكنولوجيا ومدى فعالية القوانين التي سَنَّها لتحقيق ذلك، بل ومدى شرعية قيامه بذلك لمنع بقية العالم من امتلاك هذه التكنولوجيا..
وإذا علمنا أن هناك ترسانة من القوانين قد تم وضعها في هذا الإطار لمراقبة شراء أي سلعة تعتبرها الدول الغربية حاملة للتكنولوجيا المتقدمة أو يمكن تحويل مكوناتها الإلكترونية وأنظمتها المعلوماتية إلى الاستخدام العسكري.. يتبين لنا أننا نعيش اليوم حملة يُحضِّر فيها الإعلام الغربي لموجة جديدة من سياسة الاحتكار بدأها منذ عقود قائمة على منع انتقال التطور التكنولوجي في أي من المجالات إلى الجنوب وعلى تَعمُّد عدم تحويل هذه التكنولوجيا لدول الجنوب، فما بالك إلى الكائنات غير الدول كحركات المقاومة.. بل إن الأمر بات يتعلق بحملة جديدة مرتقبة لاستنزاف الجنوب من كل موارده البشرية العلمية والتكنولوجيا القادرة على التأثير في هذا الميدان..
ولعل هذا ما ينبغي أن يستوقفنا، ويجعلنا نتوقع تضييقا أكبر في هذا المجال واستنزافا أوسع لقدراتنا البشرية عن طريق تشجيع هجرة الكفاءات نحوه، ذلك أن الغرب يُدرك أن الفروقات ما فتئت تتقلص في السنوات الأخيرة بين ما يُعتبر تكنولوجيا مدينة وتكنولوجيا عسكرية.
ففي الجانب المعلوماتي والحوسبة والإلكترونيات مثلا تعد البرامج المعلوماتية والذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والدوائر الإلكترونية وأشباه الموصلات… الخ، مسائل لا يُمكن فصل الاستخدام المدني لها والعسكري، وفي جانب التصوير والرصد تعد أجهزة التقاط الصور والصوت والكاميرات وأنظمة الرادار وتتبع الموجات عند الارسال والاستقبال وأنظمة الرؤية البحرية والملاحة الجوية أيضا وغيرها من الأنظمة غير قابلة للفصل بين الاستخدام المدني والعسكري، وقس على ذلك أنظمة الدفع والمحركات والتوربينات والمكونات الخاصة بالصناعة النووية والمواد النووية وأجهزة الطرد المركزي، وإنتاج الكائنات الحية الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية النانوية التي لم تعد مقتصرة على الصناعات الدفاعية، بل انتقلت إلى الصناعات المدنية الأخرى، بل وإلى مجالات الصحة والطب… الخ..
وإذا علمنا أن العلم أصبح مفتوحا في جميع هذه المجالات، والشرق الآسيوي خاصة أصبح مُتاحا للتعلم وشراء المُعدَّات، يتبين لنا، أنه أصبح بإمكاننا كسر كل أساليب الاحتكار والتهديد بالتفوق التكنولوجي التي ما فتئت تُستخدَم ضدنا..
ويكفي أن أمامنا اليوم تجربة حية في قطاع غزة ما فتئت تُثبت مع بزوغ فجر كل يوم، وبتضحيات لا نظير لها، كيف يمكن للعقل البشري والإرادة الصادقة بأدنى الإمكانات مواجهة أعتى الجيوش وأعقد الأنظمة العسكرية وأفتكها في العالم.. وهكذا نتعلم أننا إذا أردنا نستطيع، وأن الغرب لن يبقى إلى الأبد سيدا على العالم… قريبا ينهض الجنوب وبقوة…