ومضى عام لم يعصر “المثقفون” / الولي ولد سيدي هيبة
“الثقافة هي عصب الامة، ولبنة تكوينها الاساسية، وخطوتها الأولى نحو التقدم والنهضة”.
ومر عام آخر لم تعصر فيه الطبقة المتعلمة، بل وأصرت خلاله على تكرار الأخطاء والمكوث في الزاوية، وتعمدت إبعاد البلد بخباث الرجعية وحبائل وأساليب الاقطاعية الدفينة، عن المدنية وإشعاعها ونبل قيمها والدولة السوية وعدالتها والحداثة وسمو وسائلها ونبل مقاصدها في بناء المواطن روحا وسلوكا وإنسانا متحضرا معطاء، والبلد بسواعد أصحاب النفوس المتحررة من عقد الكبر والجهل.
كما ظلت هذه الطبقة تظلم ماضي الأجداد الذي لمع كالبرق قبل أن يسدل الجهل ستاره على البلاد ويسلمها لمنطق الحضارة التي تخادع قيمها وتخالف مبادئها حتى يحق عليها المثل “ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع” ويبعدها عن إدراك أن “صنائع المعروف هي التي تقي مصارع الشر”.
إنها الطبقة ذاتها التي تقصدت في مهرجانات عقيمة ألا يأتي الماضي إلا كـ”الضيف ويذهب كالغريب” في دياره (ولاته، تشيت، شنقيط وودان) التي صنعت مجدا وخلدت اسما وأنجبت دررا لوامع أسهمت في إعادة وهج الحضارة العربية الإسلامية في المشرق.
ولم تكن الطبقة السياسية بأحسن حالا ولا لا أوفر عملا، حيث لم يبرح قادتها “المسيرون” أحزابها بصكوك التمليك المنتزعة بقوة النفوذ القبلي العشائري الجهوي والمالئون فضاءها بالخطاب الرجعي والعنتريات والركون للشعر المضمخ بالمشاعر المصطنعة؛ مشاعر تدمر المنطق وتغطي على “تيه” حاصل لا تنكره العين من رمد، و”ضياع” مستفحل لا ينكره فم من سقم.
وليس الذين أفرزتهم، ذات مرة، أيديولوجيات مستوردة وقيم سياسية مدونة تمكنوا بها في ساحة الوغى قبل أن يرموا بها وراء الظهور ويعودوا متلهفين إلى مربعات الماضوية ومفاتنها المومسة، ليلتحقوا بركب المفسدين المتعدين على الوطن وأهله، ينشدون الوظائف والقطع الأرضية والصفقات المشبوهة والشعر المخدر بأدبيات الدجل ويحيون من حولهم حلقات النفاق والخداع.
وللسياسة أيضا طابورا ثالثا يخرج من بين صلب السياسوية وترائب مراحل الإدمان على النفوذ يقدر أصحابُه لأنفسهم مسارا جديدا لا يتنبؤون معه مطلقا بالسقوط.
وفي العام المنصرم تراجع كذلك مدد الفقهاء والعلماء أمام ضربات العلمانية الموجعة وشهد انحلال الأخلاق استفحالا بفعل تضاعف المهرجانات الماجنة وإطلاق العنان للمخنثين الذين تبنتهم الأوساط الميسورة ليحيوا سهراتها ويغطوا على مثالبها وشططها، والشراء الذين دنسوا الحرف والقوافي وإرقوا البحور الخليلية في بحور.
وأيضا تضاعفت أعداد أوكار المجون والاختلاط على كل المحاور المؤدية إلى العاصمة يرتادها الميسورون ولا رادع يخشون، كما كان الحال من قبل تفتقر البلاد إلى المسارح ودور الثقافة والنشر وفضاءات السينما والإبداع والمكتبات، ولا تساعد المؤسسات الكبيرة الأسماء بجوائزها الحسية ومهرجاناتها الكرنفالية في تحسين الوضع الثقافي المزري رغم الادعاء المفضوح بتحقيق نتائج “وهمية” عبر تظاهرات ضجيجها لافت وطحينها تذروه رياح الادعاء والعجز عن الإبداع وغياب النقد وخرق المجاملة الرجعية لمقومات الإبداع وتعطيلها.