الولايات المتحدة الأمريكية تعلن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة / رامي الشاعر
رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وقال الفريق القانوني من جنوب إفريقيا لقضاة المحكمة إن إسرائيل أظهرت “نمط سلوك الإبادة الجماعية” منذ شن حربها واسعة النطاق في قطاع غزة الذي احتلته عام 1967.
تابع الفريق أن عمليات القتل “ارتكبت عمدا ولم يسلم منه أحد ولا حتى الأطفال حديثي الولادة”، وعرّضت الإجراءات الإسرائيلية سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة لمستوى غير مسبوق من الهجمات جوا وبرا وبحرا، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير المنازل والبنية التحتية العامة الأساسية، كما منعت إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى المحتاجين، وتسببت في خطر الموت جوعا وبسبب الأمراض لاستحالة تقديم المساعدات “أثناء سقوط القنابل”.
وتابع الفريق القانوني أن الفلسطينيين “يقتلون في منازلهم وفي الأماكن التي لجأوا إليها، وفي المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وأثناء محاولتهم العثور على الطعام والماء لعائلاتهم. يتعرضون للقتل في حال فشلهم في الإخلاء من الأماكن التي فروا إليها، وحتى إذا حاولوا الفرار عبر الطرق الآمنة التي حددتها إسرائيل”.
واستنتج الفريق أن ما حدث يؤكد بما لا يدع مجالا للشك وجود “نمط من السلوك والنية ذات الصلة التي تبرر ادعاءً معقولاً بارتكاب أعمال إبادة جماعية”.
لقد كانت كرة النار التي ألقتها المقاومة الفلسطينية، 7 أكتوبر الماضي، كفيلة بتسليط الضوء من جديد على جوهر مأساة الشعب الفلسطيني، أمام آلة القمع والاحتلال والظلم الإسرائيلية، بعيداً عن مشاريع “البيزنس” والاتفاقات الإبراهيمية و”صفقة القرن” وغيرها من المسميات المختلفة التي تطلق على عملية “التطبيع المجاني”، الذي جعل إسرائيل تتمادى في عجرفتها وصلفها وتجاهلها لكل المواثيق والأعراف الدولية، وكافة الاتفاقيات التي سبق ووقعت عليها من قبل. فما الداعي للتنازلات طالما كان من الممكن الحصول على مكاسب سياسية مجانية بالاتفاق على انفراد؟! بل وتوسيع تلك المكاسب والاتفاقيات بحرص، وخبث، تحت الطاولة للوصول نهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية. وبالرغم من مصداقية أو عدم مصداقية ما أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم أمس الأربعاء، من أنه “لن يكون هناك أي تكامل إقليمي بالمنطقة دون الاعتراف بدولة فلسطينية”، وأنه يتعين “تطوير سلطة فلسطينية قادرة على الاعتناء بشعبها”، فإنه من الممكن اعتبار ذلك مؤشرا على بدء شعور الإدارة الأمريكية بفشل سياساتها، وبدء التمهيد للتراجع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتنصل من مسؤولية الجرائم بحق الشعبين الفلسطيني والأوكراني.
أما رد الفعل الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية المشروعة، والتي تأتي قطعاً كرد فعل لا فعل، فقد كان كفيلاً بإطلاق قنبلة مضيئة في سماء المجتمع الدولي، كشفت عن الوجه المجرم والقبيح للعدوان الإسرائيلي الغاشم، فسمعنا تصريحات لا يمكن تأويلها سوى بنية الإبادة الجماعية مع سبق الإصرار والترصد، فيما يبدو وكأنه التقاط لأحداث 7 أكتوبر بوصفها الفرصة الأخيرة لتنفيذ مخطط واسع النطاق بعيد المدى، كانت تنويه إسرائيل، لكنها كانت تبحث فقط عن ذريعة.. واعتقدت أنها وجدتها، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك بأن استفاقت بلدان العالم، وتزداد قناعتها يوما بعد يوم بأن ما حدث، 7 أكتوبر، هو نتيجة القمع والقتل وسياسة التمييز العنصري التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على مدار 75 عاما.
لكن ما أظن أنه الأهم الآن هو ذلك الزخم والحشد الدبلوماسي والقانوني الواضح والمحدد من دول الجنوب العالمي، والذي تقف في وسطه حكومة جنوب إفريقيا، إحدى الدول المؤسسة لمجموعة “بريكس”، في حراك قانوني منظم ومهني أمام مؤسسات الأمم المتحدة، لتنفيذ قرارات ومواثيق الهيئة. يبدو ذلك الحراك وكأنه تعزيز لاتجاه ظهور أقطاب جديدة على الساحة الدولية، تطالب بحقوقها الإنسانية البسيطة، وتطالب بالعدل والمساواة بين الدول ذات السيادة أمام هيئة الأمم المتحدة.
ولعل ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم أمس أمام منتدى دافوس، حينما أعرب عن ثقته بإمكانية البلدان حول العالم على بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يؤكد على رغبة وقدرة المجتمع الدولي، وأعني هنا المجتمع الدولي الحقيقي، الذي يمثل أغلبية الدول، وليس ما يطلق عليه الغرب “المجتمع الدولي”، على إنشاء نظام التعددية القطبية القادر على استعادة هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة من سيطرة الغرب الجماعي عليها، واستخدام الولايات المتحدة لها كوسيلة تلجأ إليها في بعض الأحيان، وتتجاهلها في معظم الأحيان، حينما ترغب في توجيه ضربات هنا أو هناك من خلال “أحد التحالفات” على اختلاف مسمياتها وأهدافها.
إننا اليوم بصدد تغييرات جيوسياسية تكتونية حول العالم، ومهما تكن نتيجة محاكمة إسرائيل، تظل “نهضة الجنوب العالمي” في مواجهة ظلم الغرب الجماعي المنحاز بكل وقاحة إلى الكيان المحتل، وإلى الجرائم ضد الإنسانية، علامة فارقة في المشهد السياسي الدولي الراهن، وسيظل الشارع والجماهير العريضة المتعاطفة بإنسانية مع مأساة شعبنا الفلسطيني الممتدة عبر عقود علامة على استيقاظ للضمير الإنساني أمام آلة الطغيان والظلم.
إن ما يحدث بالتوازي في إطار العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والفشل المحيق بأوكرانيا و”الناتو” من ورائها، وفشل العقوبات ضد روسيا، وهيكل العلاقات الدولية الجديدة، كل هذا يؤكد ما سبق وأشرنا إليه من قبل في كثير من المقالات بشأن تحول العالم الفعلي إلى التعددية القطبية. ومع كل تجاهل من جانب الغرب لذات القواعد والقوانين والمواثيق التي وضعوها بأنفسهم، سيتضح أمام العالم زيف وازدواجية وكذب الغرب، وسيستشعر المجتمع الدولي الحقيقي الحاجة إلى التخلص مرة وإلى الأبد من هيمنة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والأحادية القطبية، والتفكير عملياً وجدياً في كيفية العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة، وإعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي، والمساواة الحقيقية بين جميع الدول، ومنح الجنوب العالمي الصوت الذي يستحقه، والذي انتزعته وتنتزعه في الأيام الأخيرة جنوب إفريقيا.