سباحة سريعة مع تيار “من أجل الوطن” / عبد الرحمن المقري
تمخضت كثير من الاتصالات التي قام بها الرئيس المؤسس لحزب “تواصل” الإسلامي، الأستاذ محمد جميل منصور، عن جمع فسيفساء من الساحة السياسية، جمعت الكثير من الأسماء التي توصف بالمتنافرة، فتأسس منها تيار “من أجل الوطن”.
استطاع جميل منصور أن يجمع إلى جانبه شركاء متشاكسين، من أصحاب الإيديولوجيات القومية، ومن مغاضبي “تواصل”، والقافزين من فُلكِه، ومن المستقلين، وحتى المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم جميعهم متفقون على البحث عن إطار سياسي يجمعهم، وبهم ملل وخيبة من المعارضة، ووجل وخوف من الموالاة على ورقة بيضاء، وتأنفُ أنفسهم ربما من طريقة ممارسة تأييد رئيس الجمهورية بالطريقة التقليدية المتبعة.
ونحن إذ نسبح قليلا مع هذا التيار؛ اعتمادا على معلومات قليلة تسربت من أول جلسة تأسيسية، نحاول أن نرصد الخطوط العريضة للتيار الجديد، وحظوظه في المشهد السياسي الذي يتشكل، ومستقبله بين قطبيْ المعارضة والموالاة في أفق 2030.
أولا- التسمية
بدا أن من اختار اسم التيار “من أجل الوطن”، لم يشأ أن يكون الاسم النهائي لهذا التوجه السياسي، فوضع أول اسم ورد في ذهنه، دون تمحيص، كما أنه ابتعد عن تسميات الكلمة الواحدة، التي اشتهرت مؤخرا، وربما يعود إليها لاحقا؛ ومردّ ذلك، لأمرين:
1. لا يريد قادة التيار أن يُفهم من التسمية دعم مبكر للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني،
2. يفضل القادة أيضا أن يكون الاسم جامعا في هذه المرحلة، واختاروا “التيار” وليس المنتدى أو المبادرة أو التجمع وغيرها، لتكون السمة جماعية من البداية.
ثانيا- التشكلة
لم يُصدر “التيار” حتى نهاية هذه السطور تشكلة رسمية، لكن ما تسرب للصحافة منها، يشي ببعض ما تقدم في أول المقال؛ شركاء من أطياف مختلفة، مع تمثيل مناطقي قدر الإمكان، وتوزيع للمناصب وفق “الكوتات” المعهودة، تمثيل مكونات الشعب الموريتاني، والمرأة والشباب، والكُهول، لكنّ اللافت أن أسماء شهيرة، وأصحاب تجارب، وجدوا مقاعد مريحة، مع ملاحظة أن لا أحد من بين الأسماء التي تسربت قاد حزبا سياسيا، في الموالاة والمعارضة، باستثناء الوزير السابق محمد فال ولد بلّال، الذي كان قياديا لفترة طويلة في الحزب الجمهوري الحاكم سابقا.
ثالثا- الأفق السياسي
لا شكّ أن جميل منصور، يوم استقالته من حزب “تواصل”، وحتى منذ بدأت لقاءاته تتكرر بالرئيس ولد الغزواني، حمل بين جنبيه مشروع “حزب سياسي”، وظلّ يكرر أنه لن يستقيل من العمل السياسي، ولا يتقن غيره، لذلك فالتقدم بترخيص حزب سياسي قد يكون الضمانة الأولى لزعيم التيار.
لكنّ الأفق السياسي للتيار ما بين تأسيس الحزب والاجتماع التأسيسي، سيكون فترة اختبار كبرى للمنتسبين، لاختلاف مشاربهم أولا ولتباين طموحاتهم ثانيا؛ فهناك من يعوّل على التجربة الجديدة في إدخاله “القصر”، أو على الأقل في إيجاد موطئ قدم في الأغلبية، لكن في المقابل هناك من يريد أن يمارس السياسي في إطار سياسي يوالي أو يعارض على حسب توجهه السياسي والفكري.
1. التوجه الأول: أصحاب هذا التوجه يرون في جميل منصور “الحصان الأسود” لغزو الأغلبية، وتجنح بهم التصورات إلى أن يكون تيار “من أجل الوطن”، بديلا عن حزب “الإنصاف”، أو على الأقل معادلا له، ويتحدثون عن رغبة رئيس الجمهورية في تغيير الطبقة السياسية، والتخلي عن رجال ولد الطايع وولد عبد العزيز، وهذا الأمر دونه “خرط القتاد”، كما يقال، والطموح الواقعي يقتضي أن يكون “حزب جميل” المرتقب حزبا من أحزاب الأغلبية “المريحة”.
2. التوجه الثاني: هؤلاء يراهنون على حنكة الرئيس جميل منصور كقائد سياسي، ومنظّر كبير يمتلك علاقات أفقية واسعة، وهم ليسوا في عجلة من أمرهم، وهم أصحاب الطرح السياسي الواقعي، وأزعم أن ولد منصور سيكون أكثر ميلا إليهم، وقد يكونون نواة مشروعه السياسي (مشروع العمر)، ويمتد نظرهم إلى ما بعد غزواني، وسيديرون مع غزواني مأموريته الثانية، دون الامتزاج مع الأغلبية الحاكمة.
أخيرا، لا ريب أن “من أجل الوطن”، أحدث هزة في المشهد السياسي، وحرك المياه الراكدة في ساحة الهم العام، ومن شأنه أن يزيد في تأثيره، إذا ما استمرّ في استقطاب الأضواء، عبر ظهور إعلامي ممنهج، وتصريحات سياسية تُلهب برودة الواقع المُعاش حاليا.