شروطُ إسرائيل لوقف الحرب… هل هي استثمار عربي في العُدوان على غزة للحُصول على التطبيع؟/ عبد السلام بنعيسي
7 فبراير 2024، 02:17 صباحًا
في خضم الحرب الهمجية المُشنَّة منذ ما يربو على الأربعة أشهر من طرف الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وفي خضم المجازر والمذابح المقترفة خلال هذه المدة الزمنية المديدة ضد الفلسطينيين، تطالعنا في وسائل الإعلام، تقاريرُ إخبارية، لا ينفيها المعنيون بها، تتحدث عن شروط سوريالية، وما أنزل الله بها سلطان، تطرحها إسرائيل على الطاولة، للقبول بوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية، ومن ضمن هذه الشروط التي يقع التركيز عليها، وتتردد باستمرار، شرط قبول المملكة العربية السعودية تطبيع علاقاتها بالكيان الصهيوني، ومشاركتها والإمارات العربية المتحدة وقطر في تمويل إعادة إعمار غزة، بعد توقف العدوان…
يحتار المرء في فهم واستيعاب دواعي هذه الشروط التي تُلوِّحُ بها تل أبيب وتريد إملاءها على الرياض، ومعها باقي الدول الخليجية؟ إذا قبلت المملكة العربية السعودية تتويج حرب الإبادة التي تشنُّها الدولة العبرية على الفلسطينيين، بالاعتراف بها والتطبيع معها، فإن السعودية تكون، بذلك، قد قدمت للكيان الغاصب مكافأة مجزية على عدوانه الفاشي ضد الفلسطينيين، وباركت له جرائمه البشعة ضد الغزاويين، وستصبح السعودية، بحكم هذا التطبيع، وكأنها كانت موافقة على الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين، ومؤيدة لها، وستبدو في الصورة، في هيئة، المستثمر في العدوان على غزة للوصول إلى التطبيع، والحصول عليه.
سنكون أمام عنصرين متلازمين، أحدهما يؤدي إلى الثاني وينتهي إليه. التطبيع يفضي إلى وقف الحرب، ووقف الحرب مرهون بقبول شرط التطبيع. بصرف النظر إن كان الاستثمار السعودي في العدوان، حدثا صحيحا ومقصودا أم طارئا ومختلقا، فإن هذا الاستثمار، سيكون في رأي الكثيرين، هو المعنى الصارخ الذي سيأخذه التطبيع السعودي مع إسرائيل، عندما يأتي نتيجةً أوتوماتيكية لهذه الحرب البربرية التي خيضت ضد الفلسطينيين.
فهل هذا معقول ومقبول عربيا وإسلاميا، وهل يتطابق مع الصورة التي تحرص الرياض على ترويجها عن نفسها عبر إعلامها، وسط رأيها العام، والرأي العام العربي والإسلامي، باعتبارها، مملكة الخير، وراعية مصالح العرب والمسلمين، وقِبلَتَهُم، وخيمتهم التي تجمعهم، وتسعى لتوحيد كلمتهم، ولمِّ شملهم، وتحقيق تضامنهم، من أجل تحرير أراضيهم المغتصبة، وأساسا في فلسطين؟ ألم يتم عقد مؤتمر القمة العربي/ الإسلامي الأخير في الرياض، وصدرت عنه قرارات تصب في هذا الاتجاه، وأنشئت لجنة عربية/ إسلامية، وخُصِّصت لها وظيفة التنقل بين عواصم الدول الكبرى، من أجل إقناعها بضرورة وقف الحرب وصدّ العدوان عن الشعب الفلسطيني؟؟ ألم تكن الرياض هي صاحبة المبادرة العربية في قمة بيروت التي ترهن الموافقة على التطبيع بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967، والقبول بقيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس؟
إذا رضيت الدولة السعودية بشرط التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت الإملاء، ألن تكون قد فرّطت في حريتها، وحقها في ممارسة سيادتها أثناء اتخاذ القرارات التي تُعتبر من صميم اختصاصها، ومن صلب إرادتها؟ ألا يكون قبولُها التطبيع، بمثابة رضوخٍ كاملٍ للابتزاز الصهيوني وانصياعٍ له؟ وما هي الضمانات التي تملكها الرياض والتي تستند عليها وتؤكد لها بأن الضغوط الإسرائيلية عليها، ستتوقف عند حدِّ التطبيع، وأنها لن تتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك؟
عندما تتمكن إسرائيل من فرض شرطها القاضي بقبول وقف إطلاق النار، بموافقة الدول الخليجية على المساهمة المالية، في إعادة إعمار ما دمرته قواتها في القطاع، فإن ذلك سيعني أن الكيان الصهيوني بريء كليا من المجازر التي ارتكبها في حق الفلسطينيين، ومن الدمار الهائل والمنهجي الذي ألحقهُ بمؤسساتهم، وأرداها رميما. لا يمكن للمواطن الفلسطيني أو العربي رفض مشاركة الدول الخليجية في تمويل إعادة إعمار قطاع غزة، وتقديم الدعم المالي للأشقاء الفلسطينيين، للملمة أشلائهم، وترميم جراحهم، وعودتهم للاستقرار في وطنهم، وتعزيز صمودهم، وحرصهم على البقاء فيه، مطالبين بحقهم في تقرير مصيرهم وإنشاء دولتهم المستقلة، فهذا مطلب مشروع والاستجابة التلقائية له من طرف الخليجيين يفترض أنها متوقعة. يصبح الموضوع إشكاليا، إذا صارت المشاركة المالية في مشروع إعادة الإعمار، شرطا تضعه إسرائيل، لقبول وقف إطلاق النار.
يصبح القبول خليجيا بهذا الشرط بمثابة إذعان للكيان الصهيوني، والأخطر ما فيه، هو كونه يتحول إلى مقدمة لاستدرار تنازلات أخرى لفائدة الدولة العبرية، وقد تكون تنازلات غير مقبولة سياسيا وأخلاقيا، خصوصا عندما يتم استحضار أن الكيان الصهيوني يرفض، لحد الساعة، الحديث عن اليوم الموالي للحرب، ولم يعد يقبل بإنشاء الدولة الفلسطينية، وصار، يطرح مشاريع، لا تخطر على البال، من قبيل، خلق قوات عسكرية مصرية، وسعودية، وإماراتية، ومغربية مشتركة، تُعنى بتسيير شؤون قطاع غزة، إلى أجل يتحدد فيه مصيره، تحت تدبير وإشراف دولة الاحتلال.
بدل أن تصعِّد الدول العربية خطابها تجاه الكيان الصهيوني، وتقطع علاقاتها به، وتوقف التطبيع معه، وتضغط من أجل الجلاء التام عن كامل القطاع الذي احتله من جديد، وإعادة إعمار ما دمرته قواته العسكرية بأمواله، وتعويض الفلسطينيين عما أصابهم من خسائر مادية وبشرية جراء اعتداءاته، ومحاسبة ومحاكمة المسؤولين الصهاينة عن الجرائم التي اقترفوها في غزة، وإلزامهم بالانصياع لقرارات الشرعية الدولية، بدل ذلك، يُطلب من دول الخليج التبرع بالمال لإعادة إعمار غزة، وهي تحت الاحتلال، أي أن المطلوب إسرائيليا من العرب، تمويلُ الاحتلال الصهيوني للقطاع، بعد أن دمره، وقتل الآلاف من سكانه، وتقديم صكَّ براءة له، عن كل الجرائم التي اقترفها في حربه الهمجية ضد الفلسطينيين…
هذه الشروط تُطرح من طرف الكيان الصهيوني وهو في أوج مأزقه في القطاع حيث فشل في تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه، شروطا لإعلان الانتصار، بينما الشعب الفلسطيني ليس منبطحا وفي حالة انهزام، إنه صامد، وصابر، ومحتسب في أرضه، ويكافح بلحمه وعظمه، إلى جانب مقاومته الباسلة، ونتصور أن قيمنا العربية تستحثنا على الوقوف في صفِّه، ومساندته، وتعزيز صموده، إلى أن يتحقق له الانتصار، ولكن المحير في الأمر هو أن مثل هذه الشروط الإسرائيلية الغريبة تترافق مع تقارير إخبارية، تفيد بمدِّ العدو، من طرف بعض الدول العربية، عبر الطرق المارة من أراضيها، بالبضائع، والمؤن، والسلع التي افتقدها في سوقه، جراء الحصار البحري، المفروض عليه، من طرف حركة أنصار الله اليمنية؟؟
موافقةُ السعودية على التطبيع، وعلى التمويل الخليجي لإعادة الإعمار في قطاع غزة، طبقا لما تخطط له دولة الاحتلال، وتزويد بعض الدول الخليجية الكيان الصهيوني بحاجياته، عبر طرقها البرية، يفيد، إن كان قد جرى فعلا، بأننا أمسينا أمام تحالف صريح ومكشوفٍ، بين عرب التطبيع من جهة، والكيان الصهيوأمريكي من جهة أخرى، بغرض تصفية القضية الفلسطينية وإقبارها، للتخلص منها، لكنه تحالفٌ سيفشل، كما فشلت التحالفات السابقة مع أمريكا، في العراق، وفي سوريا، وليبيا، واليمن، ولبنان، وفلسطين، وتحولت إلى النقيض مما كانت واشنطن تريده منها، ولها. أمتنا العربية راسخة، وصامدة، وقادرة على هزم أعدائها، وإفشال مخططاتهم فوق أرضها، وفي ديارها. ينبغي ألا نسمح لليأس بأن يستوطن نفوسنا…