حركة أنصار الطليعة العربية الغاية..والمآل.. / محمد لحام
مقدمة لا بد منها :
عندما قامت ثورة يوليو١٩٥٢ بقيادة الضباط الاحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانت ثورة مصرية لم يهتم بها الكثيرين، ثم عندما دخل جمال عبد الناصر معركة الجلاء مع الانكليز وانتصر بها، وبعدها جاءت المعركة الأكبر وهي تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر حينها بدأت الشعوب العربية تهتف له كرائدا” للنضال العربي.
أما في سورية فقد كان الوعي القومي قويا” جدا” وأصبح جمال عبد الناصر أملا” لهم في تحقيق الوحدة العربية وأطلقو عليه أسم رائد القومية العربية، لاسيّما عند تصديه لحلف بغداد، والحشود التركية على سورية عام ١٩٥٧، وبعدها سافر مجمومةٌ من الضباط، القوميين إلى مصر طالبين الوحدة مع مصر بقيادة عبد الناصر الذي تردد قليلاً ثم فكر مليّاً، إذ أن الوحدة عملاً كبيراً يحتاج إلى دراسة وإلى أُسسٍ يعتمد إليها، ونتيجة ضغط السوريين، قبِل جمال عبد الناصر أن يقيم الوحدة مع سورية معتمداً على وحدة الصف العربي واستمرت هذه الوحدة ثلاث سنوات ونصف وبعدها تآمرت البرجوازية السورية عليها وحصل الإنفصال، ولم تحُل وحدة الصف العربي دون وقوع هذا الإنفصال لماذا؟
لأنه لم يكون هناك أتفاق على مضمون المستقبل المشترك.
وسقط شعار وحدة الصف العربي كأساس لبناء أي وحدة مستقبلاً. هذا ماخرج به جمال عبد الناصر من تجربة وحدة ١٩٥٨. وبضغط من الجماهير العربية في سورية قامت ثورة آذار من قبل بعض الضباط الوحدويون والبعثيون، ولما كان البعثيون أكثر تنظيماً إستطاعو أن يصفّوا الضباط الناصريون من الجيش وتفردوا بالسلطة ومثلُ ذلك حصل بالعراق.
هذا وقد أستمرت الجماهير في سورية والعراق بالضغط على حكومة البعث لإقامة الوحدة مع مصر عبد الناصر، ومن جهتهُ عبد الناصر اعتقد بإمكانية ذلك لتوفر وحدة الهدف العربي ففي سورية وحدة حرية إشتراكيه وفي مصر حريه إشتراكية وحدة فهي أهدافٌ واحدةٌ ولو إختلف الترتيب وتلك ضمانة للإتفاق على مضمون المستقبل في دولة الوحدة المنشودة.
وبدأت محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر وكل من بعثِ سوريا والعراق في نيسان ١٩٦٣ لكن ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، فقد بدأ الحوار حول مضامين الأهداف المشتركة وتبين بأن الفريقين لهما رؤية مختلفة لهذه الأهداف، هذا من ناحية ومن ناحية آخرى لم يتم الأتفاق حول التنظيم السياسي الذي سيقود العمل السياسي في دولة الوحدة، في كلا الحالتين كان البعث مراوغاً ومتعصباً للحزب على حساب الهدف، وفشلت المحادثات. عندها خرج عبد الناصر بعد هذه التجربة مؤمنا ً بأن وحدة الهدف غير كافية ولا بد من وحدة الأداة، وأعلن بضرورة الحركة العربية الواحدة لصناعة دولة الوحدة وأكد ذلك في مؤتمر المحامين العرب عام ١٩٦٤ بالقاهرة وكذلك أكد بأن هذه مسؤولية الثوريين العرب وبأنه غير صالح لإقامتها وإذا فعل فستولد ميتة. عندها بدأ الحوار بين المفكرين والثوريين العرب إستجابةً لدعوة عبد الناصر وأوعز لأمانة الشؤون العربية بتنشيط الحوار حول الحركة العربية الواحدة (التنظيم القومي) كيف؟ بعد أن حسمت التجربة الإجابة عن التنظيم القومي لماذا؟
التنظيم القومي كيف ؟
لقد طرح آنذاك عدة أراء كأجابة على هذا السؤال، ولكن قبل الإجابة يجب أن نعرف ماهو التنظيم القومي المنشود؟ وماهي مواصفاته؟ ماهي الشروط اللازمة لبناءه بشكلٍ سليم وبعد حوارٍ مكثف تم الأتفاق على شروط تلاتة:
أولاً: الشرط القومي: أن يقوم التنظيم ولهْ وجودٌ مسبق في عدة أقطار عربية
ثانياً: الشرط الديموقراطي: أن يبنى التنظيم من القاعدة إلى القمة وليس العكس
ثالثاً: ضرورة الوحدة الفكرية وأن تكون هذه الوحدة سابقة للوحدة التنظيمية.
فكيف يمكن تحقيق ذلك ؟
جاءت الإجابة من الدكتور عصمت سيف الدولة عبر بيان طارق الذي وزعه في عدة أقطار عربية بأن يقوم تنظيم أنتقالي مدته تلات سنوات لتحقيق الشروط الثلاثة المذكورة آنفاً، ويسمى حركة أنصار الطليعة العربية وعرف لآحقاً بحركة الإعداد وأن ينتشر بكل الوطن العربي ماعدا مصر لأن القيادة هناك تقوم بهذه المهمة.
وكانت الخطة التي رسمها بيان طارق تقوم على أن جمال عبد الناصر وحسب ماأعلن بالميثاق سيعقد مؤتمر القوى الشعبية في نهاية ١٩٧٠ ليعيد النظر بالميثاق وبالتجربة التنظيمية.
عندها ستتقدم حركة الإعداد لتضع ما أنجزته أمام عبد الناصر ليعلن عن قيام التنظيم القومي فماالذي حصل؟ جاءت نكسة حزيران التي شغلت عبد الناصر، ثم جاءت الكارثة الكبرى برحيل جمال عبد الناصر. عندها أصبحت حركة الإعداد في حيرةٍ من أمرها إذ أن وجود عبد الناصر شرطً لازم وحاسم للإعلان عن التنظيم القومي. فما العمل؟ لقد أرتأت حركة الإعداد الإستمرار في مهمتها والانتشار في مصر بعد أن أحجمت عن ذلك في حياة جمال عبد الناصر.
وجاءت الردة على يد أنور السادات وإعتقل عصمت سيف الدولة ومجموعة من الشباب بتهمة إقامة تنظيم قومي يهدف إلى قلب الأنظمة العربية في الوطن العربي وحصل ذلك في ١٩٧١ هذا وقد كانت حركة الإعداد قد حققت أنتشاراً في عدة أقطار عربية هي:
مصر وعلى رأسهم الذين قبض عليهم. محمد السخاوي ومحمد النمر وصفوت حاتم ومحمد سيف الدولة وآخرين
وفي العراق : مجموعة على رأسها محمد الحبوبي وآخرين
وفي الأردن : مجموعة أعرف منها تركي حداد وضافي شخاترة وفايز شخاترة
وكذلك في تونس : فقد كان هناك مجموعةٌ كبيرة
أما في سورية، فسنكون هنا أكثر تفصيلاً
كانت هناك مجموعة من شباب القوميين العرب تلتف حول عصمت هنانو في حلب رافضين للإتجاه الماركسي الذي ظهر على قيادة القوميين العرب، والذي أدى إلى انشقاق هؤلاء الشباب عن حركة القوميين العرب وتَبع ذلك تلقفهم لبيان طارق الذي أتى من مصر عن طريق أحد الطلبة هناك وبدأ تشكيل حركة الأنصار وكان محمد خير لحّام ومصطفى حو اء من أوائل الذين انتموا للحركة كصفٍ ثانٍ فيها ومعهم كل من خليل بكر ثم أنتقلت الدعوة إلى مصياف عن طريق علي العمر وحبيب عيسى.
وعندما أعتقل عصمت سيف الدولة في مصر ومعه مجموعة من الشباب عام ١٩٧١ وكتبت الصحف المصرية عن حركة أنصار الطليعه العربيه التي تهدف إلى قلب الأنظمه العربيه.
عندها قرر الصف الأول من الحركة في سوريا إنهاء الحركة وفرط عقدها وأبلغوا محمد خير لحّام بذلك وهو الذي كان معه كْل الجسم التنظيمي تقريباً
( حيث كان مصطفى حواء في الجيش ) فأوحى لهم بموافقته وكان ضمناً رافضاً لهذا القرار. وبقي الجسم التنظيمي على حاله.
واستمرت حركت الإعداد بالتوسع والانتشار دون علم المتخاذلين من الصف الأول الذي لفظوا أنفسهم خارج الحركة. كانت هذه المرحلة الأولى من حركة الإعداد في سوريا.
أما المرحلة الثانية: فبدأت بعد عام ١٩٧١ حيث بدأت حركة الإعداد تنتشرُ بسرعه نتيجة النشاط الملحوظ لكلٍ من محمد خير لحّام ( أبو فراس ) ومصطفى حواء ( أبو أحمد ) وظهور مجموعه رائعه من شباب مصياف الذين أمدّوا الحركة بدماء جديده على الصعيد الفكري والتنظيمي وكان أهمهم الأخوين زريق فواز وموفّق وحسن العمر وتيسير حاج حسين ( رحمه الله ) وزوجتهُ الأخت المميزه ندى الخش وعديدٌ من الشباب والفتيات. هذا في مصياف.
أما في حلب فكانت مركز الثقل للحركه حيث كان فيها عشرات الشباب على رأسهم أبو فراس وأبو أحمد ويليهم المرحوم جمال أوس دبسي وعلي زيدان
( أبو قتيبه) والمرحوم ثائر عاصي وخليل العريف ( أبو موسى) وآل الخطيب يحيى ومروان وأنور وآخرين.
وفي دمشق كان هناك مجموعه نشطه على رأسهم أحمد أراجه ونوّار عطفه وآخرين، وكذلك في دير الزور التي كان فيها مجموعةٌ نشطه على رأسهم خليل بكر وعلي العبدالله وبشير حنيدي وحمزة اللطيف وفاخر عوض وآخرين أيضاً.
أما في حماة فكان هناك رئيف علواني وفهد السعيد وحسين المحمود.
لماذا أقول هذا الآن؟
أقوله لأبيّن أن حركة الإعداد كانت منتشرة في كل الجغرافيا السورية وهذا للتاريخ.
أما المرحلة الثالثة: فهي أنتقال حركة الإعداد إلى شكل أكثر تنظيماً فتشكلت لجنه تنسيق قطريه إنتخب فيها أبو فراس أميناً عاماً وعضوية كلٍ من مصطفى حواء والأخوان فواز وموفّق زريق وحسن العمر
وعلى الصعيد القومي تشكلت لجنه تنسيق قوميه أمينها العام محمد السخاوي
والأمين العام المساعد محمد خير لحّام وبدأ النشاط قومياً وكان محمد خير لحّام ومصطفى حواء من أبرز الناشطين على هذا الصعيد.
وبما سبق المفترض أن حركة الإعداد قد أنجزت مهمتها بتوفير شروط قيام التنظيم القومي، فقد أنجزت التواجد القومي في عدة أقطار عربية فتحقق الشرط القومي، وأنجزت الوحدة الفكرية من خلال منهج جدل الأنسان ونظرية الثوره العربية للدكتور عصمت سيف الدوله وهو شرط الوحده الفكرية وكذلك حققت الشرط الديمقراطي من خلال تواجدها كقاعده تنبثقُ منها القياده.
أما لماذا لم يعقد المؤتمر القومي ومن ثم أعلان قيام الطليعه العربيه كتنظيم قومي؟؟!.
كانت هناك عدة أسباب منها:
أولاً : عدم توفر العدد الكافي في مصر باعتبارها هي القاعده للنضال العربي.
ثانياً : تغير الظروف في الواقع العربي حيث بدأ يتراجع الخطاب القومي وينتشر الخطاب الإسلامي.
ثالثاً : أعتبار بعض الشباب في القياده أن ما أنجز غير كافٍ لعقد المؤتمر.
ملاحظه: من المؤكد أن شباب الإعداد مازالوا منتشرين في الوطن العربي ومازالوا مؤمنين بضرورة قيام التنظيم القومي كأداة للثوره العربيه