حزب “تواصل”.. الحقيقة وشماعة المطبع../ محمد إسحاق الكنتي
الاستقالة اعتراض على “بعض الأسماء التي نالت من رمزية التطبيع ما لم ينل غيرها وأضحى الوسم التطبيعي عنوانا محفورا عنها في الذاكرة ولم تبذل أي جهد في الاعتذار للشعب وتصحيح ما لحق بها”. محمد غلام ولد الحاج الشيخ، نائب رئيس حزب تواصل.
“من منظور حضاري مقاوم فإن الانضمام سنة 2008 لحكومة متشبثة بالتطبيع، أكبر إثما وأفدح ضررا من القبول بمطبع في مكتب تنفيذي لتحالف معارض متنوع المشارب.” سيد أعمر ولد شيخنا، مثقف، وقيادي في تواصل.
” إن حاكما عسكريا قطع العلاقة مع الصهاينة أحب إلينا من كتلة مدنية يتصدرها مطبعون مع إسرائيل.” الشنقيطي، منظر إخواني، قريب من تواصل.
لقد طلعت الشمس من مشرقها على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا… اشتهر التيار الإسلامي، قبل فتنة الربيع التي قادها وإياهم الصهيوني هنري برنار ليفي، بمعاداة الصهيونية والتشهير بالتطبيع، فكانت تلك ظُهرتهم التي كسبوا بها شعبية حولوها إلى أصوات حين قرروا أن يدخلوا الباب على الحكومات المطبعة. وقد كانوا في ذلك كأسنان المشط، فما بال أصحاب “العين الحمئة” فقدوا حواسهم فلا تسمع لهم ركزا، أين النقابي الفقيه، والصحفي المناضل!!!
إن الثلاثة الذين ثاروا في وجه “المطبع”، وليس التطبيع، فلم نسمع كلمة نقد واحدة لرسالة الرئيس مرسي إلى صديقه العزيز شيمون بيريز مرتكب مجزرة قنا، ذووا رحم جغرافية ظل مهاجرتها في تواصل من أهل الصفة، لو أقسم أحدهم على الله لأبره. وربما شعر الثلاثة بوطأة الغربة أكثر بعد هجرة أبي يحي بما بقي من زاده… ولا بد أن للجغرافيا دور في هذه الهبة في وجه “المطبع” من أهل يثرب. فقد احتفى المنتدى من قبل بمطبع مشهور لا يمكنه التعلل بالانضباط الوظيفي، وهو الذي شارك في المؤتمرات الصهيونية بخطابات “بليغة” في فترة تقاعده من الجيش والسلطة. وفي اللغة التي عبر بها كل واحد من الثلاثة عن اعتراضه على “المطبع”، من أهل يثرب، دلالة ينبغي التوقف عندها…
أعلن ولد الحاج الشيخ، أو أحمد حسب رئيسه، استقالته، فعلق عليها جميل بتدوينة طويلة لم تخلُ من إشارات خفية حدد بها موقع حزب حاتم في محيط تواصل..”تبدو لي هذه النقاشات مفيدة في عمومها ودليل حيوية داخل تواصل وفي محيطه”، فقد استقال أحد كوادر حاتم على هامش استقالة محمد غلام. والأخ منصور لماح متجذر في التورية وإن زلت قدمه أحيانا، تحت ضغط الظروف، إلى إنفاق سلعته… فربما أراد أن يذكر حاتم أن “المال غاد ورائح”، ولن يغلب عسر واحد؛ هجرة أبي يحي بما بقي من زاده، يسرين؛ فئ الدوحة، وصلة الباب العالي… ثم ينتقل الرئيس إلى رياضته المفضلة؛ إنكار الوقائع، واستحضار الأخيلة..”…بالمناسبة تواصل لم يشارك في حكومة مطبعة، تواصل شارك في حكومة كان على أجندتها أنها ستنهي هذه العلاقات…” هل يقنع هذا الكلام سيادة رئيس الحزب المنتهية ولايته!!! يقول ولد شيخنا، في تذكير لا يخلو من دلالة عميقة..”… الانضمام سنة 2008 لحكومة متشبثة بالتطبيع،…”، ليست حكومة مطبعة فقط، وإنما “متشبثة” بالتطبيع. وفي اللفظ إشارة إلى المفاوضات التي دارت بين جميل منصور وصحبه، والمرشح للرئاسة سيدي ولد الشيخ عبد الله مشترطين لدعمه تعهده بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، فرفض. وحين عرضت القيادة المرشحين على الشورى لاختيار واحد يدعمونه، استثنت سيدي ولد الشيخ عبد الله، ثم أقصت أحمد ولد داداه بعد أن حاز على أغلب أصوات أهل الشورى التي يلهج تواصل بإلزاميتها ويوردون في ذلك “نصوصا”!!! لم يعجب القيادة خيار أهل الشورى فكونوا لجنة منهم قررت التصويت لرئيس حاتم الذي أقعدوه عن الفرسان…
يستعمل رئيس تواصل صيغة فيها تكلف واضح..”…تواصل شارك في حكومة كان على أجندتها أنها ستنهي هذه العلاقات…” يرضى رئيس حزب يرى “فلسطين آية من آيات الكتاب…” بالاشتراك في حكومة لها سفارة في تل الربيع، وترتفع نجمة داود في سماء عاصمتها، مكتفيا بوضعها في أجندتها أنها سوف تنهي هذه العلاقات القائمة فعلا. رحم الله المتنبي فقد كان أكثر تبصرا بالفرق الشاسع بين الوقائع والافتراضات…
خذ ما ترى ودع شيئا سمعت به*** في غرة البدر ما يغنيك عن زحل
وقد كان رئيس الحزب ذي المرجعية الإسلامية يرى العلم الإسرائيلي في سماء عاصمته، وربما قابل السفير في إحدى المناسبات… يعرج رئيس الحزب، عند انتهاء مرافعته عن التطبيع قديما وحديثا، على استقالة نائبه، مقللا من شأنها، ومستغربا ما أثارته من ضجة..”أما موضوع استقالة الرئيس محمد غلام ولد الحاج أحمد! فقد كثر فيها اللغط، هي استقالة احتجاج بناء على تقدير موقف- بغض النظر عن مستوى الاتفاق والاختلاف في ذلك التقدير-.” يقول الرئيس، دون مواربة تقريبا..”لقد صنعتم من الحبة قبة”، “هذا ماه أكبر من قد”. الاستقالة ليست حقيقية، وإنما هي احتجاج… ربما أراد الرئيس، وهو الضليع في المناورة السياسية، أن يدفع نائبه إلى التمسك باستقالته، كما تقول لصبي، تحرضه على فعل ما..”ما تكد”… ويضيف الرئيس، واضعا الأمور في نصابها..” الاستقالة إداريا لم تقبل والأخ موجود خارج البلد وعند عودته ستناقش الأمور في أطرها وليس هناك ما يدعو إلى القلق.” لا يملك نائب رئيس تواصل حق الاستقالة، وإنما يخضع الأمر لقرار إداري، وربما امتلك الجرأة من كونه خارج البلد، وعند عودته ستعود الأمور إلى نصابها… الوضع تحت السيطرة، فهذه زوبعة من زوابع غلام يثيرها في البرلمان، والساحات والشاشات، وما تلبث تنقشع…
ابتلع غلام الطعم، فأصدر بيانا يتمسك فيه باستقالة لا رجعة عنها. فابتسم الرئيس..”ذلك ما كنا نبغ…”، لكن غلام يوجه، في البيان، رسائل إلى رئيسه منتقدا “شخصنة الحياة السياسية وربط الأحزاب والدول بالأشخاص…” ترى لماذا قدم الأحزاب على الدول!!! ولا ينس غلام أن يهول من استقالته ردا على تتفيه رئيسه لها..”يكون استقالة عضو حزب سياسي في موريتانيا أمرا جللا وحادثا يرعف الأقلام ويستنفد المحابر ولوحات الأجهزة.” كل ذلك يدعو إلى القلق، خاصة “أن الضغوط علي وعلى السيد الرئيس جميل منصور فرضت علينا التوضيح قبل ما كان بعضُنا يخطط له.” اللهم سلم سلم!!! هناك إذن خطط أجهضت… يتحدث غلام عن موقعه في القيادة بضمير المتكلم حين كان الحديث إيجابيا يستذكر فيه اللحظات القليلة التي وجد نفسه فيها في الواجهة لأن رئيسه تعذر وصوله من سفر. لكنه ينتقل إلى ضمير المخاطب حين يحتد كعادته..”… أن تقوم بالدور على أحسن وجه أو أن تتوارى من القوم وتترك المكان فلم يخلق لك ولا لأبيك وزوالك منه قادم لا محاله والأفضل أن تغادره مصيبا لا مخطأ.” يا رئيس الحزب المنتهية ولايته. لابد أن جميل فهم الرسالة؛ فسنة التدافع من المناصب سارية في تواصل؛ الرئيس يدفع نائبه إلى التمسك باستقالته، والنائب يذكره..” المكان فلم يخلق لك ولا لأبيك وزوالك منه قادم لا محاله.” الشر بالشر والبادي أظلم. يتلطف غلام بقاعدته الشعبية، فيجزي لها المديح خَلقا؛ “وأيد كادحة تنتج وتكتسب من الحلال…” لعل في ذلك أقوالا الراجح منها ما ذهب إليه الأستاذ عبد الله محمد لوليد لكثرة ما ساق عليه من الأدلة الصريحة… فربما كدحت الأيدي في “المؤسسات الوهمية التي لا صلة لها بالواقع ولا توجد إلا على الورق… لتنتج رواتب تلك الوظائف المزيفة، وفواتير الماء والكهرباء وتكاليف الإعاشة.”، وخُلقا…”فلا يؤذيك في مجالسهم ناب من القول…” هنا أيضا يستدرك الأستاذ عبد الله على محمد غلام..” لم يسجل التاريخ الحديث للحركات السياسية في موريتانيا على اختلاف مشاربها؛ من يساريين، وقوميين، وليبراليين، إلا احترام العلماء وتجنب الإساءة إليهم، حتى ظهرت جماعة الإخوان فبدأ قادتها ورموزها وعامتها يتفننون في الإساءة إلى العلماء الزاهدين المسالمين.” فنسبوا إليهم عمائم السوء، وعدوا فيهم مشايخ تحمر أشداقهم من مرق السلطان، وهجوهم بالشعر تحت اسم مستعار؛ العربي ولد الطالب، ووصفوهم بالديكة، فإذا صرصر بازي الإخوان فلا ديك صارخ… أخيرا يتضجر غلام من عشر سنوات قضاها vice-président في حزب يدعي الفضيلة…
خلاصة القول أن مهاجرة تواصل أدركوا أن أهل يثرب السياسية لا يؤثرون على أنفسهم، ويأكلون الوظائف الحزبية أكلا لما، ويحبون الرئاسة حبا جما، فأبعدوا النجعة؛ الثلاثة خارج الوطن، ليرموا، من بعيد، حجرا في البركة… لكن تواصل يصدق عليه المثل الشعبي..”خظ الما إجيك الطين”…