الجيل الراهن جيل الغضب القادم/ لمهندس سليم البطاينه
29 فبراير 2024، 15:14 مساءً
نظرة سريعة على واقع العالم العربي اليوم من جميع الجوانب تُظهر حجم المأساة: إذ لا يخلو تقرير دولي عن العالم العربي دون الاشارة الى ان المنطقة العربية تظم أكبر عدداً من الفقراء والمعدومين والعاطلين عن العمل ! وهم رقم يصل الى ملايين ويشهد ازديادا كل يوم.
في مقابلة لمؤسس منتدى الاقتصاد العالمي المعروف (بمنتدى دافوس) Klaaus Schwab مع جريدة Der Speigel الالمانية قال ان العالم العربي في حاجة ماسة إلى توفير مائة مليون فرصة عمل حتى نهاية 2024 والا ستكون هناك كارثة قادمة ستجتاح الشوارع العربية !
بين يدي استطلاع رأي الشباب العربي السنوي (أصداء BCW 2023) الذي اجرته شركة استشارات العلاقات العامة للشرق الاوسط وشمال افريقيا ،، الذي غطى دول عربية كثيرة منها الاردن: ما تضمنه التقرير النهائي للاستطلاع ان التوقعات قاتمة جداً بشأن مستقبل الشباب العربي! فالمتغيرات التي تحيط بهم سريعة في ايقاعها ، وعميقة في تأثيرها! وأحلامهم باتت واقفة على أرصفة السفارات للبحث عن فرصة عمل وحياة أفضل.
ما نعيشه حالياً في الاردن من أحوال كارثية ومآسٍ مُركبة في مستنقع الفقر والبطالة لم يعُد يُغري أحداً بالكتابة ! فالكتابة عن واقع الاجيال الحالية أصبح عزفٌ منفرد.
في تموز 2023 زارني مجموعة من نواب مجلس الامة الكويتي السابقين، والكثيرون منهم أجمعوا على سؤال مهم: ماذا بكم؟ ولماذا انتم في الاردن على هذا الحال؟ فالأردن كان دوماً قدوتنا، وكان هو الحلم الذي نريد ان نصل له في التعليم والصحة والادارة العامة.. الخ، وأنا قلت لهم وأنا أتسائل مثلكم والاردنيون يتساءلون: ما الذي جرى لنا؟ ولماذا تدهور حال الاردن من سيء إلى أسوأ؟
نعم.. قد يكون من الصعب استدعاء التفاؤل في وقت يتسم بتفاقم حالة انعدام اليقين، فكافة المؤشرات الدامغة تؤكد قلق الشباب في الاردن على حاضرهم ومستقبلهم، وأصبحوا أكثر بعداً عن أحلامهم وجميعهم سواسية في الخذلان والحلم! ولقمة العيش غدت بالنسبة لهم رفاهية.
دعونا نُصفق ونُهنىُ كل المسؤولين في الاردن وخصوصاً المطبّلين بأن وطنهم الاردن حل بالمرتبة الثانية في قائمة الأوطان التعيسة في منطقة الشرق الاوسط بعد لبنان حسب تقرير الامم المتحدة وبمناسبة يوم السعادة العالمي الذي نشرته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للامم المتحدة ( في شهر 6 عام 2023).
الازمة عميقة، وسوف تتعمق مع غروب كل يوم، والاردن سوف يمرّ بأزمات أكثر مما هو عليه الآن، والخطر الاكبر الذي يتهدد الاردن داخلياً هو سخط الشباب الغاضبين المتعطلين عن العمل، والاحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم.
بالتأكيد هنالك مستقبل مُظلم وحالك الظلام ينتظر شبابنا! وملف لا احد يُعيره ادنى اهتمام! وهذه ليست مجرد نظرة تشاؤمية أو عابر، بل هي معطيات واقعية، فالأرقام الفعلية للبطالة أعلى بكثير من الارقام الرسمية المُعلنة !
إذن: كيف لنا أن نقرأ مشهد هذا المشهد المرعب داخلياً حتى نعي درجة خطورته؟
فـ بعد انتهاء موجات الربيع العربي الذي أُعفي منه الاردن جزئياً غابت الحصافة العقلية والذهن الحاذق والفكر الامني الصائب رغم كل التحذيرات ! وفشلت كافة أجهزة الدولة الاردنية بكل المقاييس في توجيه أنظارها واهتماماتها نحو الشباب لمعرفة دورهم المحوري على الصعيدين (التنموي والامني) في الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
أجيال حالية تُعاني من التيه والاحباط، تُحركهم عواطف الغضب على مستقبلهم الغامض، يعيشون على أرضٍ واسعة لا تضيق سوى باحلامهم التي تتصارع في كل زاوية من زوايا الاردن، أفنوا سنوات عمرهم في التحصيل العلمي للحصول على شهادات لا تُسمن ولا تُغني من جوع ! أَنفق عليهم ذويهم أكثر من (3 مليارات دينار) اضافة الى خسارة حوالي 4.5 مليار دينار، والذي هو العائد المالي الضائع نتيجة عدم حصولهم على فرصة عمل، يفتقدون لوطن يحتضن طموحاتهم.
جيل هويته الوطنية معرضة للنسيان، سيتمرد على الجميع و سيصرخ من اجل مستقبله، لا يؤمن بشعارات احد، وباتت البلاغة الوطنية بالنسبة له (مثل حب الوطن والتضحية من أجله) مثيرة للسخرية.
إن الوطن الحقيقي هو الذي يصنع مستقبل ابنائه، فالقلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل، والاعداء الخارجيون لا يستطيعون أن يؤذوا وطننا بقدر ما يمكن لأبنائه أن يفعلوه.
الحماقة لا تجدي، والمشهد خطير ويستدعي التوقف مطولاً ولا يمكن تصوره من الخارج، والذي يعيش في مستنقعه هو القادر على معرفة خباياه وكوابيسه.