“فلسطين جنة الأرض.. أما آن لأمتنا أن تتأهب”/ عالية محمد الشاعر
وقف سيدنا رضوان حارس الجنة عند بابها حَيرَان، إذ كيف يدخل الجنة من عنده القابلية للإنزلاق عن الصراط المستقيم الى اللإستقام، تنهدَ رضوان عليه السلام متوجساً خيفة عندما أخبره ملاك الموت عزرائيل انه ما فتئ يبحثُ عن أروح يقبضها بلطف لتفوز وتنعم بالجنة فيما بعد بشفاعة انتمائها الفعلي الناجز لقوميتها والولاء لعقيدتها الحقه بالسعي الحثيث والاجتهاد المتجدد العقلاني الذي حضَّ عليه ديننا دون التعرض والمساس بالثوابت والقطعيات بل بحسن التفكّر والتدّبر في الظنيات والأمور الدنيوية المعيشية التي أُقحمت وشوهت بفتاوى الجهل ، ولكن هيهات فأكثر ما يخشاه الملاك عزرائيل أن تقبض أمة العرب روحها بيدها وتُلقي بها في آتون اللهيب المستعر للصراع بين الحضارات والتناحر بين الأيديولوجيات والهرطقات الفكرية والجدالات الديماغوجية التي يُهدر ويتآكل معها الوقت، وكذلك الضياع في متاهات الشيزوفرينيا السياسية بحجة البراغماتية التي تتنكر بأقنعة الديمقراطية، هذه التي تُسمى بالقوة الناعمة التي يشوبها المراء والنفاق ويمكنها أن تكون فتاكة مدّمِرة ، والمعضلة أن معظم هؤلاء من صنَّاع القرار والنخبة الذين من المفترض أن يكونوا مؤتمنين على الحقوق وحفظ كرامة الانسان.
وها نحن العامة من الناس بتنا نتأرجح بين الشك واليقين أمام المواقف المعلنة المعسولة بحلاوة الكلام وباطنها الخداع والتربّص بالشعوب المغلوبة، على أمرها حتى التبس علينا الأمر في تحديد الخطأ من الصواب، ومن نصدق ولمن ننحاز وأين نوجه بوصلة العقل صوب الغرب المبهرُ بإنجازاته فنرحل مع زادِ افتتاننا به لنتشتت بين أرجاء الأرض أو نوجهها نحو القلب الذي ينبضُ بعواطفٍ ملهوفة لمشرقنا الذي يتخبطّ كالصقرِ الجريح في آلام وقهر أبنائهِ الأحياء المقبورينَ سراً وعلانية في مدافن النوائب من الفقر والأحزان، لنكتشف حقيقتنا كرهائن عند المُغَمِّضَاتُ من الأمور (الذنوب التي يرتكبها الإنسان وهو يعرفها) نتيجة ممارسات أشخاص يتحكمون بنا من خلال قرارات تُملى عليهم ولا تمتُّ إلينا بصلة، لتنطبق علينا صفة وقائذ الجوارح (محزوني القلوب) وتلازمنا كأحد العلامات الفارقة بين شعوب الأرض، هذا عدا الهواجس التي تؤرقنا، هل نستسلم للخوف من الطغاة؟ أم الهلع أمام عواصف العولمة القادمة إلينا من كل حدَبٍ وصوب بالرغم من إدراكنا أن لا مفر منها وبالتالي الحل لا يتأتى بالاختباء منها بل بمحاولة التكّيف والتأقلم مع عواصفها لنطّوعَ قوة هبوبها بما يتلاءم مع قيمنا معتقداتنا ويتوافق مع مصالحنا حتى لا نصبح كالقشة في مهب رياحها ، وهنا يحضرني قول الفيلسوف الهندي طاغور “يجب أن أفتح نوافذ بيتي لكي تهب عليها رياح كل الثقافات , بشرط أن لا تقتلعني من جذوري”.
هذا التدفق والغزو المريع للعولمة بكل أشكالها وآخرها الذكاء الاصطناعي الذي سيخبو معه بريق أرواحنا يذكرنا بقوله تعالى ” حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ” (سورة الأنبياء – 96) ويا لعظمة هذه الآية كما كل آيات القران الكريم إن فهمناها ليس بحرفيتها فقط بل بأبعادها المفتوحة سندرك أن كل شيء في عالمنا قد يأخذ طابعا مُقتحِماً كاسحاً عندما يمتلك أسباب التفوق وأدوات القوة، ولابد أن نستوعب بفطنة العربي الذي كان يتميز بالفراسة وصفاء الذهن المُكتسب من المساحات الشاسعة للصحراء، فينبغي علينا أن نُفعّل هذه الصفات ونوجه كل طاقاتنا ونحشد جهودنا لتتدارس في نهج جديد يُقصّر علينا الطريق للسير الجاد نحو الوحدة التي من أولوياتها التكامل الإقتصادي الذي سيفضي إلى التوزان والإستقرار الإجتماعي وسيقودنا بالتالي الى الأمن القومي، هذا يملي علينا التخلي عن الشعارات القطرية وإن كانت بريئة في أهدافها لكنها سطحية ساذجة في طرحها وتبدو كأنها مراهقة وطنية، على سبيل المثال القول (مصر أولا ، الأردن أولا ، لبنان أولا الخ..) والسؤال هل من المعقول أن يتحقق هذا الشعار على أرض الواقع إذا كانت فلسطين وغيرها من البلاد العربية المنكوبة آخراً؟! نعم قدرنا ومصيرنا مشترك أو (بتعبير مجازي) نحن كما المسبحة إذا انفرطت حبة منها انفرط عقد المسبحة، فهل يجوز لنا أن نفكّر بهذه المحدودية! وسط الضجيج الكوني الذي يعجُّ بالكثير من المتغيرات والتناقضات، لا شك أن هكذا شعارات لا تفيد أمتنا في شيء بل تُضعفها وتفتُّ من عضدها وتجعل كل قطر متقوقعاً منغلقاً على ذاته وهذه خطيئة عواقبها وخيمة تحديداً في هذا العصر الذي تتنافس فيه الأقطاب على من سيحكم العالم ويقود دفة السيادة عليه، في هذا التسارع الجنوني للأحداث من الضروري والمحتّم أن نبني مشروعاً إستراتيجيا متكامل الأركان وإلا سنصبح كأعجاز نخلٍ خاوية تتقاذفنا الرياح، بالتأكيد نحن نملك كل المقومات و الإمكانيات للتعامل بحكمة وحنكة مع هذا العصف العنيف الذي يحيقُ بمنطقتنا وبالعالم، فالمداولة بين الأيام لدخول دورة الحضارة له ميكانيزم وإن كان خاضعاً للمشيئة الربانية لكنه كذلك مرتبط بقوانين الديالكتيك بمعنى القدرات العملية الفاعلة للبشر، وقد خاطبنا الله عزَّ وجل منبهاً في كتابه العزيز ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ” (الأنفال 73). أوليس في هذا الكلام المُنزَل من لدن عزيز حكيم عبرةً نتعظ بها؟! وأين نحن كمؤمنين أن يكون بعضنا أولياء بعض ودوامة النزاعات والخلافات تشدنا إلى القاع، والسؤال الملح ليس أن نكون أو لا نكون ولكن على أي شكل نكون، هذا الشكل اللائق المرتقي بمستواه سنحظى به كلما ابتعدنا عن إلقاء كاهل إخفاقاتنا على نظرية المؤامرة التي بدأت مع بدء الخليقة عندما قتل قابيل أخاهُ هابيل وستبقى قائمة حتى يقضي الله أمره، لكن المصيبة عندما نستجيب لها بل و نصبح أدوات طيّعه لتنفيذها في أيادي من يخططون لها وآخر الأمثلة على ذلك اقتتال الأخوة الأعداء في السودان الذي نتمنى أن يكون آخر الأمثلة، فهلُمَّ نثبت جدارتنا بالآية التي أكرمنا بها الله من قبسِ كلماته النورانية “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.” (ال عمران 110). نفهم من هذه الآية أن الخيرةَ ليست قدراً محتوماً بل قضاءً مشروطاً وسينتفي هذا التكريم إذا لم نفهم المغزى الجوهري الغير منحصر أو مؤطّر بالمعنى الكهنوتي أو بالشعائر والعبادات، بل يشمل كل المنظومة الأخلاقية بدءً بالخبايا النقية والنوايا الصادقة وصولاً إلى التعامل والسلوك المستقيم في التعاطي مع كل مناحي ومجالات الحياة ، وهنا لابد من التوقف عند مقولة للعلامة ابن تيمية(إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة) وبالتالي إذا عرفنا كيف نستثمر في هذه الآية الكريمة وأحسنا التطبيق حينها سنقضي على الفساد بالضربة القاضية وسنجدُ مفاتيح جنة الأرض بين أيادينا وثرواتنا المنهوبة وقرارنا السياسي المخطوف في جعبتنا وستنجسر هوة التفاوت الطبقي الحاد الذي يتفاقم في مجتمعاتنا، لقد خصنا الله بهذه الآية ليس كوننا عرباً لأنها تشمل كافة المسلمين على اختلاف أعراقهم وأجناسهم، فلا نقع في خطأ الاستعلاء بل لتحميلنا مسؤولية أكبر اتجاه أنفسنا والآخرين، وكم هو مخزي ومؤلم أن نرى التفجيرات الإرهابية لدور العبادة وغيرها من المؤسسات في دول إسلامية كباكستان وأفغانستان وتدنيس الأماكن المقدسة، وهدم بيوت العبادة في فلسطين من قبل الصهاينة الإرهابيين.
يا شباب أمتنا العريقة بكم ومنكم نستقي الأمل أنتم مازلتم مؤهلين لإخراج الناس من غلسِ ظلام الرذائل الى نور الفضائل وهذا تصديقاً لما اصطفانا به الله تبارك وتعالى من الخيرة، ومن الطبيعي أن يكون شركاؤنا في هذه المسؤولية والمهمة العظيمة أحباؤنا ومواطنينا الكرام من المسيحيين الذين حرصوا وأخلصوا لتعاليم عيسى عليه السلام و على أمه مريم البتول ، وكذلك اليهود الذين حافظوا على شريعة موسى عليه السلام واتبعوا وصاياه العشر ومنهم أعضاء منظمة (ناطوري كارتا) الذين يستنكرون ويدينون دولة إسرائيل لعنصريتها وفاشيتها وكذلك لأنهم يعتقدون بأنهُ لا يجب أن يكون لليهود دولة أوطن غير أوطانهم الاصلية.
أيها القارئ الكريم عذراً أسهبتُ، لكن لم يتم بعد الكلام الآن أخالني أسمع صوت المعتصم يستصرخنا مناشداً مستنضهاً عزائمنا بصحوة وجدانية عارمة مردداً واعرباه وإسلاماه، فلبتّ غزة المُوقرة المتيقظة النداء، فاشرأبّت وتعملقت بالصمود وتعمدّتْ بملاحم البطولات، سلاماً مباركاً على غزة الصغيرة التي اجتازت كل أقطار الأرض بجواز سفر مختوم بالشرف والكرامة وأصبح صوتها رغم الحصار الطويل عابراً للقارات مدوياً لا للظلم والطغيان، حمداً لله جلَّ في علاه أن وهبنا غزة الكاشفة الفاضحة للمتآمرين المتخاذلين، سلاماً طيباً عليكم ياآل غزة نادى أيوب ، يا صبراً ترتجُ لهُ الأرض وتنوء عن حمله الجبال وتكادُ َتَخِرُّ لهُ هَدَّا ، يا أهلنا وعزوتنا وعزتَنا الذين غربلتم بدقة الأمة من شوائبها وحق لكم ان تكونوا سيف العدل الفاصل بين الحق والباطل، أيها الغزاويون المرابطون، في هذا العام جازَ لنا الحداد، ياجوعاً كن برداً وسلاماً على البطون الخاوية في شهر الخير والرحمة رمضان. سلاماً عَطِراً على الأرواح التي عبيرها مسك الشهداء سواء في فلسطين، سوريا، لبنان، اليمن، والعراق، ولكل المقاومين العرب السابقين واللاحقين أولئك الذين جادوا بأنفسهم فانتقلوا مطمئنين هانئين من دار الفناء الى دار البقاء، هنيئاً لكم الشهادة، نحن الى التراب ماضون وأنتم عند وعد ربكم لكم أحياء ترزقون.