هكذا نبني الدولة بالإسلام…وهكذا نمارس السياسة في الإسلام.!!!
أولا وقبل كل شيء وجب التوضيح بأن مصطلح فصل الدين عن الدولة أو ما اصطلح على تسميته “بالعلمانية” إنما هو مصطلح غربي لا علاقة له بالإسلام، فلا وجه للمقارنة بين الأوضاع التاريخية للمجتمعات الأوروبية التي ظهر فيها هذا المصطلح وبين الأوضاع التاريخية للمجتمعات الإسلامية.
فالإسلام كشريعة ومنهاج يختلف عن غيره من الرسالات والشرائع السابقة عليه بما يتضمنه من تنظيم دقيق للعلاقات والمعاملات بين الناس ومن قدرة على التشريع لقيادة الحياة العامة في المجتمع المسلم وبما يقرره من أحكام وقواعد ومعايير تؤسس للاجتماع السياسي وتقيم العدل بين الناس وتنشر الإحسان بينهم.
وهذا ما يجعل للإسلام مكانة متميزة عند الحديث عن علاقة الدين بالسياسة في الإسلام أو عند الحديث عن دور الدين في الحياة العامة للمجتمع المسلم.
الإسلام دين وليس سياسة، ولكنه دين يؤسس للسياسة فيضع لها من المبادئ والأحكام والقيم والمعايير ما يمكنها من إقامة المجتمع السياسي على أسس وقواعد تحقق له الوحدة والقوة والعزة وتقيم الأخوة والمساواة بين أفراده والعدل بين الناس.
فالقرآن نزل من أجل إرساء نظام يبين الحلال والحرام، والخير والشر، والحق والباطل، والفجور والتقوى، والصلاح والفساد، كما جاء من أجل تأصيل و تجذير مبادئ الأخوة والمساواة والعدل وحرية الرأي والشورى ليوجه من خلال ذلك الأفعال الاجتماعية، ويشكل الأطر العامة للتوجه السياسي للمجتمع.
لذلك فإن العلاقة بين الدين والدولة لم تنفصم في يوم من الأيام.
في المقابل “لم ينص القرآن على نظام محدد للمجتمع من حيث أداة الحكم وطرقه، بل ترك ذلك للناس ولاجتهادهم، ولم يضع أحدا حجة على غيره يفرض كيفية معينة أو نظاما دون آخر”، لكن التجربة السياسية التاريخية لبناء السلطة السياسية أو لاختيار نوع النظام السياسي أو لاختيار أداة الحكم، محكوم بحكم التطور التاريخي نفسه للفكر الإنساني السياسي الاجتماعي وكذلك محكوم بحركة الإنسان في الواقع السياسي الاقتصادي الثقافي الاجتماعي المتغير، وبقدرته على تطوير آلياته وأدواته السياسية وطرائقه التي يتوصل إليها تنظيم المجتمع وبناء الدولة. فبناء الدولة كآليات أو كمؤسسات وهيئات وهياكل سياسية أو إدارية أو مهنية هو ما يجب أن يخضع للتطور التاريخي، ويحكمه تقدم المجتمعات وتطور المعارف والعلوم من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى بيئة ومن مجتمع إلى مجتمع. هذه الآليات تنشأ وتتحقق في المجتمع بحسب الحاجة إلى مثل هذه المؤسسات، وهي مؤسسات محايدة في ذاتها، ولذلك لا يجوز أن نحكم عليها بالحلال والحرام أو بأنها موافقة للدين أو متعارضة معه إلا من خلال استخدامها، وما يوضع فيها من أفكار وقضايا للنقاش، بل من خلال ما يصدر عن هذا الاستخدام من قوانين وقرارات ومواقف واتجاهات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، وليس من خلال ما يتعلق بها في ذاتها كآليات أو أدوات من تسمية أو تنظيم. فعندما نتحدث عن الديمقراطية أو عن البرلمانات والمؤسسات الحديثة فنحن نتحدث عنها كآليات ومؤسسات لا كمبدأ من مبادئ النظرية السياسية الغربية، فلا يجوز اعتبارها بدعة مذمومة أو محظورة لا ينبغي الأخذ بها أو الاستفادة منها، فهي ليست ضلالة لأنها ليست مضمونا، بل هي مجرد آليات تنظيمية تمنح الفرص والإمكانيات للحد من سلطة الحاكم ومن استبداده وطغيانه، وتوفر الأسلوب الصحيح للناس لتنظيم شؤونهم السياسية لممارسة حقهم في التعبير وفي المشاركة السياسية وتحقيق المساواة بينهم وحفظ حقوقهم السياسية.
نحن نعتبر أن الاسلام الذي تحدث عن العبادات والطهارة والمواريث والمعاملات بتفاصيلها الدقيقة بدءا من كيفية الغسل والطهارة وانتهاء بالصلاة والتسليم ليس بعاجز عن الحديث عن الدولة ومؤسساتها وأركانها، بنفس التفاصيل التي تناول فيها العبادات والمعاملات، وإنما نجده سكت عن تفاصيل الدولة ومؤسساتها مكتفيا بالحديث عن القيم التي يجب أن تتحقق في الدولة، وما الملامح والمؤشرات التي يجب أن توجد.
وكأن الاسلام يقول لنا أيها المسلمون اجتهدوا في إنشاء مؤسساتكم وإقامة حكمكم تاركا لكم الأمر في ذلك أن تفكروا وتجتهدوا وتبتدعوا من الأفكار ما ترونه، وتستفيدون مما توصلت إليه البشرية من تجارب في الحكم والدولة بحرية تامة، لكن بشرط أن تحققوا قيم الشورى والحرية والعدالة والمساواة بوجود عدد من المؤشرات التي تضمن تحقيقها كالمعارضة الشعبية والرقابة وموازين المصالح والمفاسد واستقلال القضاء فيها، فحيثما وجدت هذه القيم تحقق حكم الله وحيثما انتفت هذه القيم انتفى حكم الله.!!!
والسلام على من اتبع الهدى.
- المنجي الشعري –