رغم الألم… بشائر النصر تنبعث من شوارع غزة / عبد الرحمن الحنفي
يعتصر قلب المرء حزنا وألما وهو يرى التدمير والتتبير الذي يقترفه العدو ضد أهلنا في قطاع غزة الصامد، لكنه في مقابل ذلك الحزن والألم يمتلئ فرحا وسرورا حينما يرى بشائر النصر وعلامات الفتح والتمكين تنبعث تباعا من حارات وأزقة وأحياء قطاع غزة الصابر.
إن الإثخان الذي أوقعه المجاهدون في جنود العدو من مخيم جباليا شمالا إلى تخوم رفح جنوبا لأكبر بشارة بمعية الله لهؤلاء القوم وخير دليل على أنهم الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتيَ أمر الله، فقد نثر العدو الأكاذيب ونشر الأراجيف منذ شهور بأنه قد دمر معظم القدرة القتالية للمقاومة وحَيَّدَ عشرين كتيبة من كتائب القسام في الشمال وفي الوسط ولم تبقَ إلا أربع كتائب في مدينة رفح، فإذا بالمجاهدين يذيقونه الموت الزؤام ويعيدون الحرب جَذَعة، بل بدا القتال في الجولة الأخيرة أشد ضراوة وأكثر إيلاما للعدو من ذي قبل، فقد خسرت إسرائيل فيها حتى الآن أكثر من مئة دبابة ومئات الجنود بين قتيل وجريح، واستمر قصف المغتصبات في غلاف غزة، وزاد العويل في عائلات الجنود الذين يقاتلون في غزة، فقد طالب إلى الآن ما يزيد على ألف أسرة من ذوي الجنود الإسرائيليين الذين يخوضون القتال بغزة بتوقف الحرب وعودة أبنائهم من جحيم غزة التي اعتبروها مصيدة زجَّ بهم فيها نتنياهو مقابل بقائه في السلطة، واستمرت في الآن نفسه مظاهرات أهالي الأسرى التي انتقلت من مجرد الدعوة إلى إبرام صفقة إلى الدعوة صراحةً إلى إسقاط حكومة نتنياهو.
ومن بشائر النصر استفحال أزمة الائتلاف الحاكم بعد عقد غالانت مؤتمره الصحفي وبعد هجوم وزراء اليمين المتطرف عليه، وهو ما ينذر بقرب انفضاض تحالف القتل والإجرام.
ومنها انعدام الثقة بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والذي بلغ مداه بتدافع المسؤولية عن الفشل الاستخباراتي صبيحة السابع من أكتوبر المجيد، ودعوة عضو مجلس الحرب غانتس إلى ضرورة فتح تحقيق لمعرفة من المسؤول عن ذلك الفشل.
ومن بشائر النصر استمرار صمود سكان أحياء غزة التي طالها القصف في هذه الجولة، والذين أدركوا أن الصمود وعدم النزوح هو أحد العوامل المؤثرة في كسر العدو ومؤازة المقاومين، فقد تجاوزوا الصدمة منذ جولة الحرب الأولى وباتوا في هذه الجولة أكثر استعدادا للثبات وتشبثا بالبقاء وتكيفا مع الظروف، ذلك أن العدو – بحكم غطرسته التي تجاوزت في الفتك حدود ما يمكن للعقل البشري تصوره – لم يترك لهم ما يخسرونه فهم ما بين مفجوع في الأهل والولد أو مهدم المسكن أو مشرد عن مسقط رأسه.
ومن بشائر النصر توسيع المقاومة أساليبها القتالية وتنويعها، فقد أبانت العمليات المشتركة الأخيرة عن زيادة مستوى التنسيق بين الفصائل، وأظهرت أن المقاومة قد رصَّت صفوفها وأعادت تنظيم نفسها، واكتسبت خبرة أكثر في التعامل مع خطط وتكتيكات العدو، كما أن كَمَّ وكيفَ السلاح المستخدم في الجولة الأخيرة يوحي بأن الترسانة العسكرية للمقاومة لا تزال بخير – لله الحمد – وأن غرف التصنيع لا تزال تعمل، بل تَشي أكثر من ذلك أنها ربما زادت بالنظر إلا كمية الأسلحة غير المسبوقة الذي استخدمها الكيان في هذه الحرب، ومعلوم أن نسبة معتبرة من مصادر أسلحة المقاومة هي عبارة عن إعادة تأهيل لصواريخ الكيان التي لم تنفجر، وقد رأينا حالات تم فيها تفجير صواريخ معادة التأهيل مخلفة دمارا في آليات العدو وإصابات في صفوف جنوده.
ولعل أهم بشائر النصر حتى الآن العملية النوعية التي جرت مساء السبت 25 مايو 2024 في مخيم جباليا والتي يصدق فيها قول أبي تمام:
فبين أيامك اللاتي نصرت بها *** وبين أيام بدر أقرب النسب
فقد ذكرتنا تلك العملية بمشاهد السحل والأسر التي صحونا عليها صبيحة طوفان الأقصى المبارك.
يبقى ما ذكرناه من بشائر مجرد شذرات من فيض من البشارات والإشارات بقرب تحقق النهاية الحتمية لهذا الكيان الغاصب، هذا الكيان التي تدل كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية أنه بات على شفا الانهيار أكثر من أي وقت مضى. فهل يتحقق ما تنبأ به الشيخ المجاهد أحمد ياسين منذ أزيد من عشرين سنة وهو زوال إسرائيل سنة 1927؟
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا}.