وزير إسلامي مغربي يحاول تبرير التوقيع على قرار التطبيع!!/ عبد السلام بنعيسي
10 يوليو 2024، 13:11 مساءً
في تصريح صحافي له، عاد مصطفى الرميد وزير الدولة المُكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في حكومة سعد الدين العثماني إلى الاتفاق الثلاثي الأمريكي المغربي الإسرائيلي الموقع بتاريخ 22 شتنبر 2020 والمفضي إلى التطبيع، ليلقي الضوء على بعض الخبايا التي لم تكن معلومة للرأي العام المغربي، ليعلن عنها للعموم، وجاء في تصريحه التالي: ” سأقول لأول مرة بعض المعطيات. كما هو معلوم مايك بومبيو وزير خارجية أمريكا في عهد ترامب جاء في آخر زيارة له للمغرب، قبل ذلك، أنا شاهدت في قناة i24 الإسرائيلية خبرا يفيد، أن بومبيو سيلتقي في لشبونة مع نتنياهو، وأنهما معا سيأتيان إلى المغرب، صراحة لم أذق تلك الليلة طعم النوم. وفي الصباح تواصلت مع مسؤول أساسي في البلاد، فنفى لي صحة هذا الخبر، وشعرت بالاطمئنان نتيجة لذلك.
ويستكمل الوزير ” لاحقا، جاء بومبيو لوحده في زيارة للمغرب، وكنت من الذين اجتمعوا به مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير الخارجية ناصر بوريطا، وكان التوجيه الذي تلقيناه، هو أن يشمل الحديث أي شيء، إلا موضوع الصحراء والقضية الفلسطينية، لأنه كان لدينا الشعور بأن هناك نية في الربط بينهما.. وجرى اللقاء، واستدعينا بعده إلى حفل عشاء على شرف وزير الخارجية الأمريكي في الديوان الملكي، لكن حفل العشاء ألغي في آخر لحظة، ولا أملك تقديم استنتاجات في هذا الصدد، فأنا لا أعرف أسباب إلغاء حفل العشاء، كل ما أملك هو تقديم هذه المعطيات”..
ويشير الوزير إلى أن ” ما حصل هو أنه بعد شهور، تم إغلاق معبر الكركرات.. لقد أغلقتها الجزائر عن طريق البوليساريو، كم من يوم والكركرات مغلقة؟ حوالي 17 أو 18 يوما، إلى أن تدخلت القوات المسلحة المجيدة وقامت بطرد عناصر البوليساريو من الكركرات، وتسمى المنطقة العازلة، وهي منطقة خاضعة لرقابة الأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن العواصم الكبرى المتحكمة في القرارات الدولية، كلها صفقت لطرد المغرب لعناصر البوليساريو من الكركرات، بعد ذلك، تم الإعلان في الديوان الملكي عن قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل، هل هناك صلة بين ما وقع هنا وهناك؟ الله أعلم”.
ويضيف الرميد في تصريحه ” أنا أقدم المعطيات فحسب، ولم يسبق لأي كان أن حدثني عن وجود علاقات من عدمها بين هذه الأحداث. لكنني أفهم أن ترامب كان رجل الصفقات. وهذا الكلام قلته للإخوة في حماس، قلته لهنية، وأبو مرزوق، والحية عندما كانوا عندي في بيتي. وقلت لهم، إن إغلاق المنفذ البري الوحيد لأي بلدٍ في العالم، هذا يعني أنك ستخنقه. ماذا سيفعل؟ قولوا لي ماذا سيفعل؟ لو كنت أنت مسؤول ماذا ستفعل؟ المغرب ماذا كان يمكن أن يفعل؟ هذا رأيي الذي أتحمل فيه مسؤوليتي لوحدي. لوكنت أنا الذي أتحمل المسؤولية، فإنني قد أقوم بنفس الشيء، إلا إذا أريد مني القبول بالتخلي عن الصحراء، وبإغلاق المنفذ الوحيد الذي لدي صوب إفريقيا.. ومن لا يريد القبول بهذا الخيار، فإنه سيكون مجبرا للذهاب صوب العواصم الكبرى”..
واضح أننا أمام لغة ومنطق التبرير. السيد الوزير يريد أن يختزل مشكلة الأقاليم الصحراوية في اللحظة التي تم فيها توقيع الاتفاق الثلاثي، وأن يمحي من التاريخ، الفترات التي سبقتها وأدت إليها. فكما يفعل خصوم الوحدة الترابية المغربية في حصر أسباب صراعهم مع المغرب والقطيعة الحاصلة بين الطرفين حاليا، في لحظة إبرام الرباط لاتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويضربون الصفح عما سبق التطبيع من مواجهات مسلحة، واشتباكات عسكرية على الأرض، وصراعات في المحافل الدولية حول مغربية الصحراء، فإن السيد الوزير يلجأ لذات الأسلوب في اختصار الزمن والأحداث في لحظة التوقيع، ليخلص إلى أن الحلَّ الوحيد الذي كان أمام المغرب للحفاظ على وحدته الترابية، هو الهروب صوب التطبيع مع الكيان الصهيوني.
هذه مقاربة للأزمة لا تفيها حقها. العديد من المغاربة غير المقتنعين بهذا الطرح، يتساءلون، لماذا لم يفاوض المغرب في إكس ليبان على خروج المستعمرين من كافة الأرض المغربية دفعة واحدة؟ لماذا القبول باستقلالٍ بالتقسيط؟ الزعيم علال الفاسي رحمه الله كان من الرافضين لهذا الخيار، والداعين إلى تصعيد الكفاح من أجل طرد المستعمر من كافة الأراضي المغربية التي كانت تحت سيطرته. وفي خمسينيات القرن الماضي، بعد الاستقلال، كان جيش التحرير المغربي على وشك طرد المستعمر الإسباني من الأراضي المغربية التي كان لا يزال يحتلها، ودخل في مواجهات مع القوات المسلحة الإسبانية لهذا الغرض، وكان في متناوله تحرير الصحراء المغربية، فالمدُّ وقتها كان مدّاً تحرريا شاملا لكل البلدان الخاضعة أراضيها للاستعمار. لكن وقع الالتفاف على تضحيات جيش التحرير، وتم إقبار مساعيه، وجرى تفضيل الحلول الدبلوماسية وسيلةً لمعالجة واقع الاحتلال حينئذ، لأسباب لا يتسع المجال لشرحها.
وفي عهد الاستقلال، لماذا لم يتمكن المغرب من تجنب الاستبداد، وإقرار ديمقراطية حقيقية، ومحاربة الفساد، وبناء الاقتصاد الوطني القوي غير اقتصاد الريع؟ لماذا لم يحقق البلد التنمية الشاملة، والانتقال إلى صفوف الدول الصاعدة، ويصبح بجيش قوي ومتمكن، وفي متناوله حسم الصراع حول أقاليمه الصحراوية في اللحظة التي نشب فيها هذا الصراع، بعد استرداد صحرائه من النفوذ الإسباني سنة 1975؟ السردية الرسمية المغربية تتغنى بكون الدولة موجودة في المغرب منذ ما يفوق 12 قرنا، وأن المغرب لم يخضع للحماية إلا فترة زمنية لا تتعدى 44 سنة، وأنه حصل على استقلاله، سنوات قبل حصول خصوم وحدته الترابية على استقلالهم، فلماذا يوجد المغرب في موقع المدافع عن وحدته الترابية، وخصومه في موقع الهجوم عليه؟ لماذا لا يكون العكس هو الحاصل؟ ألا تتحمل النخبة السياسية التي حكمت المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم المسؤولية في ذلك؟
لقد انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي الذي كان يدعم الحركة الانفصالية في الصحراء المغربية، وحدثت اضطرابات أمنية خطيرة جدا، لمدة عشر سنوات، في الدولة التي كانت ولا تزال تناوئ المغرب في وحدته الترابية، فلماذا لم تتمكن الدولة المغربية من توظيف هذه الأحداث بما يؤدي إلى كسب رهان الحرب المشنة عليها في صحرائها؟ أليس هذا تقصيرٌ من جانبها؟ استمرارُ هذا الملف المستنزف للجهد المغربي في التدحرج من جيل لآخر ألا يشير إلى أن هناك خللا ما في كيفية تدبيره؟ لماذا الوقوف عند هذه اللحظة للاستنتاج أن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو الخيار الوحيد المتاح للمغاربة للحفاظ على وحدتهم الترابية، بمنطق أن على المرء أن يختار في السياسة بين السيء والأسوأ منه، كما قال الرميد؟ هل من المعقول أن يكون المغرب مجبرا على وضع كل بيضه في السلة الأمريكية والصهيونية حتى لا تضيع منه صحراؤه؟
أمريكا دولة لا تؤمن بالقيم، ولا تحترم التعهدات والالتزامات التي تقطعها على نفسها، لغيرها، إنها دولة عقيدتها هي مصلحتها الخاصة أينما وجدت فإنها تمشي وراءها. لو كانت أمريكا تريد طي ملف الصحراء المغربية، بما يضمن الوحدة الترابية المغربية، بشكلٍ نهائي، لكانت قد قامت بذلك ما بين 1991 و2011، حيث ظلت كل هذه المدة سيدة العالم لوحدها، وكانت تأمر فتطاع، وحتى في وقتنا الراهن فإن بإمكان العواصم الكبرى بدءا من واشنطن وباريس ولندن وضع حلٍّ نهائي لهذا المشكل، ولكن هذه الدول تنظر إلى الضفة الأخرى، وتفضل على ما يبدو بقاء الأزمة قائمة في المنطقة المغاربية، باعتبارها وسيلة للتحكم فيها بواسطتها. وليس هناك ما يفيد بأن واشنطن، ومعها تلكم العواصم، تفكر في الإقلاع عن هذه السياسة، رغم التطبيع الذي أقدم عليه المغرب، ووقَّع عليه رئيس حكومة الإسلاميين الذين كانوا معروفين، وهم في المعارضة، بكونهم من غلاة مناهضي التطبيع.
مهما كانت التبريرات، فإن هذا التطبيع خيارٌ خاطئ، ويمكن القول إنه خيار انتحاري، إذ من السذاجة والعبث، أن يطلب الراعي من الذئب حراسة القطيع…