بيان حول مقتل شباب كيهيدي / محمدٌ ولد إشدو
بسم الله الرحمن الرحيم
ها أنا اليوم أشعر من جديد، وفي هذا العمر، بالذل والهوان في وطني للمرة الثالثة في حياتي! فأين المفر من القهر، ومتى تغلق أبواب جهنم في موريتانيا؟! كانت المرة الأولى عندما مات شابان (أحدهما وحيد أمه) تحت التعذيب صَدْرَ الثمانينيات في مدينتَي نواكشوط وأطار!
أما المرة الثانية، فكانت حين علمت بما جرى من تصفية عرقية لضباط وجنود من جيشنا الوطني على أيدي رفاقهم في السلاح وإخوتهم في الدين والوطن مستهل التسعينيات!
يومها كدت أجن، فصرخت في وجه العنصرية البغيضة والعسف الأعمى فكتبت: نِحْنَ يَلْدايِرْ هَمْنا ** واتْـﯕولْ انَّكْ تِبْغينا بونا آدَمَ وامْنـــا ** حَوّاء ومُسْلِميــــنا.
وقد اعتقدت خطأ، عندما انبلج صبح 03 أغسطس 2005 المجيد، أن تلك الممارسات الهمجية قد ولت إلى غير رجعة! وخاصة عندما صلى رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز صلاة الغائب في كيهيدي على أرواح شهداء البغي والطغيان، وسوى قضية الإرث الإنساني صلحا (عن تراض وتشاور) مع ذوي الضحايا، وأجرى تعديلات دستورية جوهرية زينت وأثثت بالحق والعدل الباب الأول من الدستور. وكان من شأنها -لو احترم الدستور- أن ترقى بموريتانيا إلى مصافّ الديمقراطيات النامية، ومراتب الأمم العظيمة! ولكن هيهات! فبينما كنت أتتبع هذه الأيام مشاهد أسوأ مسرحية انتخابية في حياة موريتانيا، وأَعيشُ مع زملائي المحامين أكبر انتهاك للحريات وإنكار لحقوق الدفاع المقدسة، تمثل في منعنا من لقاء ومؤازرة موكلينا؛ بمن فيهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز نفسه! إذا بيَ أصحو على فاجعة يهون إزاءها كل شيء. ألا وهي مقتل أربعة شبان في عمر الزهور في زنازين شرطة كيهيدي! لقد قتلوا مرتين: – قتلوا حين أزهقت أرواحهم على أيدي من يفترض أنهم مسؤولون عن أمنهم وأمن الوطن! – وقتلوا حين لم تُدَنْ جريمة قتلهم ممن يفترض أنهم ساسة ونخبة هذا المجتمع وحماة قوانينه وقيمه وأخلاقه. وكأن ضمير الأمة قد مات منذ أمد بعيد! فأين أحزاب المعارضة والموالاة؟ وأين المثقفون ورجال الرأي والفكر إن وجدوا؟ وأين “الحقوقيون” و”منظمات حقوق الإنسان” و”الحماية من التعذيب”؟ بل وأين الدولة؟ بواكي أهلنا في كيهيدي العانية المستباحة المخذولة.. ثقن أن الكادح الذي أكل خبزكم وملحكم ووجبات “هاكوا” اللذيذ في بيوتكم الكريمة؛ وخاصة في بيت الأستاذ المناضل سينكوت عثمان (الشيخ سينكوت عثمان) وزوجته الفاضلة جينابا، والذي كان بينكم مطلع سنة 1970 في شلة من الشباب منها – مثلا لا حصرا لام حمادي ودافا بكاري وباه عيسى وحمود ولد إسماعيل- تبث روح “ازويرات” التي وحدت نخبة موريتانيا بعد أن كانت أيدي سبا! ذلك الكادح لن يتخلى عنكم أبدا، ولن يسكت على هذه الجريمة البشعة! ما دامت روح ازويرات الخالدة تعتمل بين جوانحه. ولن ينسى أو يخون ذلك العهد الوطني الجميل. وثقن أن صبح الحرية والعدل سينبلج في موريتانيا مهما طال ليل البغي والطغيان فيها. وأن عناية إلهية تحرس أرضها المباركة وترعى شعبها المسلم المسالم، وتسدد خطى أبنائها البررة الصامدين! فأدعية الصالحين، من مرابطين ومعقليين وإماميين وغيرهم، لها بالخير لن تذهب سدى أبدا! {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} فيفكون أسرنا ويصلحون شأننا، ويمسحون رعبنا! ولله عاقبة الأمور! وثقن أن موريتانيا لا توجد فيها عنصرية ولا كراهية ولا حقد ولا تصفية حسابات بين الشعب. وإنما يوجد مكر ونفاق وخداع وتوظيف لجميع سلبيات وأمراض المجتمع من طرف شرذمة فاسدة في خدمة مآربها وتهافتها على السلطة، وسطوها على المال العام، وتسلقها على أكتاف الشعب للوصول إلى المناصب والخزائن! وإنني لأعلن.. – احتجاجيَ الشديد ورفضي وتنديدي بقتل الشباب في مخافر الشرطة مهما كانت الأسباب والذرائع، – وشجبي واستنكاري لاستعمال القوة المفرطة ضد المدنيين العزل! – وأدعو بإلحاح وإصرار إلى فتح تحقيق جدي وشفاف حول ظروف هذه الجريمة، ومتابعة وعقاب المسؤولين عنها، والمتسترين عليها ومن يحاولون طمس آثارها، وإقالتهم جميعا من مناصبهم فورا! حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر!