هذا ما يجري في سورية وهدفه.. وهذا ما سيجري في الأردن / فؤاد البطاينة
7 ديسمبر 2024، 01:47 صباحًا
أبدأ بما أعتبره مسلمات. الأولى، هي أن من يقرأ واقعاً مراً ويرفض الإعتراف به فلن يبحث عن حل، بل عن وسائل التعايش معه. أما الواقع المر في بلادنا العربية وخاصة الشرق أوسطية فهو أنها تعيش حالة استعمار بمضمون مصطلح الفتوحات الصهيو- صليبية. المسلمة الثانية: هي أن أي حدث كبير قبيح أو مستهجن أو جرم إرهابي بتداعيات سياسية في منطقتنا وإلى حد كبير في العالم، فإن الكيان الصهيوني هو من يقف خلفه .والمسلمة الثالثة: أن دول العالم كلها تحسب حساباً استثنائياً للصهيونية ممثلة بالكيان المحتل، وتتجنب إغضابه لأسباب منها التبني الأمريكي له. والمسلمة الرابعة: هي لأغراض هذا المقال وهي، أن الأردن كجغرافية مستهدف كاستهداف فلسطين. ومن وحي هذه المسلمات أتحدث في إطار موضوعين هما سورية والأردن.
ففيما يخص سورية، فالهجوم الإرهابي عليها بالتأكيد مرتبط ومكمل لإنجازات الكيان في غزة ولبنان ضمن سلسلة من استهدافات لجهات أخرى قادمة نحو الهدف المرسوم في شرق أوسط صهيوني، والمتغيرة خارطته طبقا للميدانين العسكري والسياسي، وللمستجدات الدولية. وبالضرورة أن الكيان الصهيوني هو من يقف خلف الهجوم أو من صادق عليه. وأن روسيا كعقبة أساسية مُفترضة أمام الهجوم وإفشاله، لا يُمكنها الصمت قبل تغطية اهتماماتها الإقتصادية والعسكرية الاستراتيجية في سورية وقد تم تغطيتها. ولا لتركيا أن تقدم على رعاية هذه الفعلة الشنيعة بدون تنسيق مسبق مع روسيا والكيان، ووعود قد أخذتها. ولا لقوات قسد الكردية أن تضبضب نفسها وتبقى قيد التعليمات من أمريكا.
فهذا الهجوم لا يُمكن أن يكون ابن ساعته، بل بُحث وصمم منذ شهور على الأقل، ووضع بالدرج لينفذ بعد توقيع اتفاق النار في لبنان، والتأكد من أن حزب الله لن يعود عنه ولا للقتال. وسيكون استهداف الوجود الإيراني في سورية على رأس أولويات هذا الهجوم بالمحصلة. وستكون هناك ضغوطات على إيران واستفزازات. والروسي اليوم براجماتي لا يقيم وزناً إلّا لمصالحه بعيداً عن المبادئ. فهو في الأساس لم يكن حليفا لسورية الوطن والشعب بل لسورية في شخص قيادتها ليأخذ شرعية وجوده منها .
المهم جدا في هذا أنه ما لم تتدرج الأمور الى سناريو الوصول لدمشق والإستيلاء على السلطة لتكون سوريا تحت القرار الصهيوني مباشرة، فأن السيناريو الأخر والمرجح عندها هو أن كل الأطراف الإحتلالية في سوريا إضافة لروسيا سيحافظون على القيادة السورية في دمشق، وربما مُررت هذه الرسالة للأسد. ليصبح هدف الهجوم الذي قد يتوقف بعد احتلال حمص وقطع الطريق بين إيران ولبنان وربما احتلال غيرها في الجنوب، هو تهديد القيادة السورية ووضعها في خانة (اليَك) وابتزازها واستخدامها بصفتها تمثل الشرعية السورية دولياً، لقبولها الدخول في عملية سياسية مع دولة أو إدارة هيئة تحرير الشام ذات القيادة الأمرو- صهيونية الصرفة وتقديمها مع من لف ملفها من الفصائل كمعارضة سورية على طاولة المفاوضات.
حيث عندها ستلتزم الأطراف الدولية بجر المفاوضات لتقسيم سوريا لكيانات بغطاء شرعي في ملعوب صيغة الفدرالية، يختار فيها كل كيان حليفه طبقا للشروط الصهيو أمريكي بعيداً عن روسيا وتركيا. وسيُغدر بتركيا وأطماعها في كل الحالات شر غدرة وتقع في شر عملها، ولن تجد لها صديقاً. وسيسعى الصهيو أمريكي لإعادة تركيا لسنّة أتاتورك، وتتعايش مع الأكراد وكل أصدقاء الصهيونية وترضخ لتنفيذ ما يُطلب منها.
أما بالنسبة للأردن بلدي، فانطلاقا من مسلمة أن الأردن كجغرافيا، مستهدف كاستهداف فلسطين. وهذا بحكم المعطيات التاريخية الموثقة في المؤتمرات والصكوك، وفي والنظرية والتطبيق، والتي لم يجر عليها تبديل. وأيضاً بحكم تجربتي الميدانية الطويلة في السلك الدبلوماسي الثنائي ومتعد الأطراف في الأمم المتحدة، وبحكم متابعتي الحثيثة لما يكتبه ويوثقه زعماء الكيان الرسميين وغير الرسميين وما فتئوا يعلنونه. وقد دأبت منذ سنين طويلة على التأكيد بهذا لشعبنا الأردني ونظامنا الأردني بأن الأردن بالذات هو في صلب الإستهداف البلفوري.
وبناءً عليه فالأردن كجغرافيا وأكرر كجغرافيا لن يطاله مشروع الشرق الأوسط الصهيوني بصفة هذه الجغرافيا مستهدفة كجزء من أرض “إسرائيل “. وهذا الإستهداف سيكون في المرحلة الأولى بفرض النفوذ والسيادة المعلنة على الأردن وبحُكمه غير المباشر. بواسطة قيادة أردنية عميلة. وما أريده أن يكون مفهوما هنا بأن استهداف الأردن كدولة على النحو المار ذكره. لا يبدأ ً وبالضرورة قبل استهداف شرعيته الدولية المتمثلة بالقيادة الهاشمية (مؤسسة العرش) كونها تحظى باعتراف أوروبي ودولي مميز (باستثناء بريطانيا،) وبصفتها أي القيادة الهاشمية جعلت من الأردن دولة راسخة ويصعب تقبل ابتلاعها بوجود هذه القيادة . فهذا الوجود للقيادة الهاشمية الصديقة للكيان أصبح يُشكل عقبة أساسية أمام أطماعه الصهيونية.
فمن أهم المعضلات أمام الكيان وصاحب القرار القرار الأمريكي هو كيفية التخلص من هذه القيادة بسلاسة. وهذه السلاسة قد لا تحصل بسبب الموقف الدولي ورفض الشعب الأردني المتوقع وخاصة إذا صمدت القيادة الهاشمية ورفضت أي ابتزاز. وسيُصار حينها الى استخدام عنف الإرهاب الدولي الذي تمسك بزمام قياداته أمريكا وكيانها.
في الختام أتمنى على القيادة الهاشمية أن تراجع الأرشيف البريطاني المتاح لتتأكد من أن الكيان وبريطانيا قد اتفقا ووافقا على في عام 1970 على ترك الفصائل الفلسطينية لتحكم الأردن لولا تدخل أمريكا كيسنجر والطلب من اسرائيل التدخل لحماية النظام في ذاك الظرف الدولي خوفا من أن يصبح السوفييت على حدود إسرائيل. وأن يتذكر النظام بأن المرحوم الملك حسين خاض محادثات سرية مع اسرائيل لأكثر من عشرة سنوات لاسترجاع الضفة وقدم عروضا مغرية وغير عادية من أجل ذلك ورفض الكيان. ذلك لأن الضفة كانت وديعة لوديعة. أعيدت الأولى وبقيت الثانية فجاءت اتفاقية وادي عربة بعد عقدين كطوق نجاة للنظام، ودفع ثمنها رابين.
وفي ختام الختام، اقول لمن يتعاطف مع الغزو الصهيو أمريكي لسورية. إذا كانت بوصلتك الدين أو فلسطين أو الإحتلال أو الخُلق. إسأل نفسك هل يجرأ أحد من هؤلا المجاهدين والمكبرين لحساب الصهيونية أن يذكر كلمة إسرائيل أو الأقصى أو غزة.